|
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: فيظهر على ألسنة بعض الناس أن القصد من تحكيم الشريعة الإسلامية هو العدل بين الناس فقط. وهذا مقصد صحيح فإنه لا يتحقق العدل إلا بتحكيم الشريعة الإسلامية في جميع الشؤون؛ في العقائد وفي المقالات والمذاهب والمناهج الدعوية وفي السلوك والأخلاق وفي المظاهر والبواطن وتحكيم الشريعة في جميع الاختلافات والخصومات والمنازعات. قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ (10) سورة الشورى، فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) سورة النساء، وليس القصد هو تحكيم الشريعة في الخصومات والمنازعات المالية والحقوقية فقط، كما تركّز عليه بعض الجماعات الدعوية، ثم أيضاً ليس القصد من تحكيم الشريعة هو تحقيق العدالة بين الناس فقط، بل الأهم من ذلك أن تحكيم الشريعة عبادة لله وتوحيد له. وتحكيم الآراء والقوانين الوضعية والأقوال الاجتهادية التي لا دليل عليها كل ذلك يعد من شرك الطاعة، كما قال تعالى في أهل الكتـاب: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ (31) سورة التوبة، وعند ذلك قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم. قال صلى الله عليه وسلم: (أليسوا يحلّون ما حرّم الله فتحلّونه ويحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه) قال عدي: بلى. قال صلى الله عليه وسلم: (فتلك عبادتهم).
فليُنتبه لذلك فإنه في غاية الأهمية؛ لأنه يمس العقيدة وكثيرٌ ممن ينادون بتحكيم الشريعة لا ينتبهون له حتى قال دعاة الضلال: القصد هو إقامة العدل بين الناس بأي دستور وهذا القائل ينسى أن الله قال: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ (40) سورة يوسف، وأمر رسوله بقوله: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ (49) سورة المائدة، وقوله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ (50) سورة المائدة، وكل حكم غير حكم الله فإنه حكم الجاهلية، وقال تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ، َأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (44، 45، 47) سورة المائدة.
وفَّق الله الجميع لفهم كتابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عضو هيئة كبار العلماء