يقال يا سيدي الرئيس إنك درست في بريطانيا ولا أعرف كم سنة. لكني صرت أشك تماماً أنك كنت هنا أصلاً. فلو كنت عشت في هذا البلد أسبوعاً واحداً لكنت رأيت كيف يعمل البرلمان، ولكنت رأيت كيف تواجه المعارضة رئيس الوزراء، وكيف تطحنه كل أسبوع بالأسئلة وكيف تسخر من أخطائه إذا أخطأ، وكيف يضحك النواب عليه إذا زل به اللسان أصغر زلة.
أشك أنك شاهدت شيئاً. وأشك أنك تعلمت أي شيء. لأنك لو تعلمت أي شيء لما عدت إلى بلادك لتقود برلماناً يصفق لك، ونواباً يهتفون «بالروح بالدم» وكأنهم أطفال، تعلموا في مدرسة الجهل الحاكم (لا الحزب الحاكم) كيف يكونون ببغاوات لا نواباً للشعب.
وبدلاً من أن تُصفّق لهم، كان يجب أن تخجل منهم. لأنهم عار على فكرة البرلمان. وعار على مبدأ التمثيل. فهؤلاء لا يمثلون شعبهم، لأنهم مرآة ساطعة ومخجلة للفساد. وهم نموذج من نماذج الاستبداد الذي يحول البشر إلى مطايا بسبب الحاجة إلى مال أو وظيفة أو وجاهة.
هل تمثل الطائفة العلوية؟ والله ما أغنى هذه الطائفة عنك وعن أمراض نظامك. فهذه الأمراض تهدد وجودها وتبدد حقها المتساوي بين ألوان الطيف الاجتماعي في سورية. وهذه الأمراض تَنسبُ لها ما لا يجوز، وتلحقُ بها ما لا تستحق. وأجدى بشخصياتها وحكمائها أن ينأوا بأنفسهم عنك وأن لا يدعموا آلة القمع التي توجهها ضد شعبك. وهذا ما فعلوا.
لقد كان من الأولى بك، لو كنت تملك شيئاً من الحكمة، أن تعرف أن الأقليات لا تشارك في أعمال القمع، لأنها تنتحر بها إذا فعلت.
أولى بالأقلية، أي أقلية، أن تبيت مظلومة لا ظالمة. لأن هذا أحفظ لحقوقها من أن تكون أداة للقهر.
ولستَ علوياً. أنت من طائفة أخرى تماماً. هي طائفة المنتفعين الذين يحيطون بك. 70% من العلويين فقراء. وغالبيتهم لا يؤيدون نظامك. ولو جئت إلى القرادحة، في ظل نظام يحترم حرية الرأي، فلن ينتخبك أحد.
تقول إن سورية تواجه مؤامرة. لكنك لا تسمي الأشياء بأسمائها. لا تقول من هم المتآمرون ولا تقول من هي الدول التي تقف وراء المؤامرة. ولكن هل تعرف لماذا؟ لأن المؤامرة مجرد وهم تتخفى وراءه. ولأنك كنت تتعاون وتقدم التنازلات تلو التنازلات للخارج حتى لم يعد هناك ما يبرر أن يقوم أي أحد بأي مؤامرة ضدك. وبينما تتنازل للخارج، كما فعلت بالانسحاب من لبنان، فإنك لا تقدم التنازلات لشعبك إلا بالقطارة. وفوق ذلك فإنك لم تنفذ سطراً واحداً مما أعلنته. وما تزال أجهزتك تقتل وتعذب الأبرياء وما تزال السجون مليئة بالضحايا.
تقول للناس لماذا لا تنتظرون شهراً أو شهرين أو خمسة ريثما تنتهي من إعداد الإصلاحات. سأقول لك لماذا لا ينتظرون. لأن شعبك لم يعد يثق بوعودك. ولأنه لم يعد يطيق صبراً على جهازك القمعي. ولأن الطوفان إذا كسر السد، فإن ماء السيل لا يرجع.
هل يمكن العودة إلى الوراء؟ هذا هو السؤال الذي لن يقدر مستشاروك أن يجيبوا عنه ولا أن يدركوا استحقاقاته، ولا أن يفهموا معانيه. وسيظلون على غيهم نفسه، حتى ينهار آخر جدران السلطة. وساعتها سيكون لك مع شعبك ألف حساب، وفي أوله حساب القتلى الذين تخلفهم مليشياتك وحرسك الثوري وحزب البازداران الذي تدسه لكي يقتل الناس ويقتل بعض الشرطة.
أيام الظلم مهما طالت، لن تدوم. والماء الذي كسر حاجز السد لن يرجع. فمن رأى منكم سفينة نوح فليتخذ منها ملجأ.
وكلنا يعرف أن مَنْ كان من أهل الظلم والضلالة، فإنه سيغرق. سوف تأخذه العزة بالإثم. نناديه لكي ينجو، إلا أنه لن يسمع. وخير لنا تلك النهاية، وخير له ذلك المصرع.
وأقول لك ما لن تفهمه: الخير يرتد، والأذى يرتد، فاحرص على ما سيعود إليك.
البشر يأخذون ما أعطوا، ويحصدون ما زرعوا. فإذا ما زرعت خوفاً، عاد الخوف ليجعلك ترتعد، وإذا ما زرعت نظاما أمنيا، غبياً وجاهلاً، حصدت ثورة.
أتراك تعلمت شيئاً؟
أشك. فـ»كورس» هذه التجربة، كان يكفي لكي تعرف أن شعباً يتلقى كل هذا الرصاص، لن يُقهر أبداً.
أتراك تشعر بالأمن؟
أشك. لأن من يقود جمهورية أمن، قد يكسب كل شيء، إلا الأمن!
وأستطيع أن أرى رؤية العين، أن نظامك راحل، وأنك راحل معه. ولكنك بدلاً من أن تستدرك مخرجاً مشرفاً، فإنك تراهن على القتل.
اقتل، يا سيدي، ما شئت، فماء الطوفان لن يرجع، وشعبك لن يركع.
- كاتب وناشر ورئيس تحرير «المتوسط أونلاين»