ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 31/01/2012/2012 Issue 14369

 14369 الثلاثاء 08 ربيع الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كان يتحدث بحماس، يرغي ويزبد، يتوعد ويهدد، يتهم ويحدد أشخاصًا بأعينهم بالفساد والأضرار، يتمنى الخلاص منهم وتنحيتهم عن مناصبهم رغبة في سلامة البلاد وتطلعًا لتحقق مصلحة العباد، قلت له: أصدقني القول واستحلفك بالله.. لو كنت في منصبه، واستطعت أن تصل إلى التحكم بتصريف المال العام، هل تأخذ ما استطعت الوصول إليه أو أنك ترفض عن قناعة تامة بحرمته، مع العلم أن كلا السبيلين أمامك متاح وعلى قدم المساواة..؟ لم يفكر طويلاً، ولم يلتفت لمن حوله ليرتب كلماته ويضبط عباراته، بل على الفور جاء الجواب منه صريحًا وواضحًا وبكل مصداقية، طبعًا آخذه وبلا تردد!!.

وهذا -في نظري- هو الفساد الحقيقي، إذ لم يمنع هذا الرجل وأمثاله إلا العجز وقلة الحلية وصعوبة الوصول إلى المال العام، وعلى فكرة هذا هو مذهب شريحة من المجتمع ليست بسيطة وللأسف الشديد، يتمنون الوصول للمناصب للحصول على ما لا يحل لهم ماديًا ومعنويًا.

والسؤال هنا.. لماذا الفساد في بلادي؟ لماذا حمى المال العام مستباح؟ لماذا نحن نختلف عن المجتمعات الغربية في هذا الموضوع؟ مع أن الواجب أن نكون أكثر التزامًا وأقوى تمسكًا بكل ما من شأنه حفظ وحماية ومراعاة الحقوق الخاصة والعامة فالنصوص واضحة والبراهين ساطعة، والإيمان بالغيب ركيزة أساس من ركائز عقيدتنا التي ندين الله بها، والحساب والجزاء سيكون في اليوم الآخر الذي هو من مسلماتنا القطعية؟

طبعًا الإجابات على هذا السؤال الصعب كثيرة ومتشعبة ولكنها تتكامل ولا تتقاطع، ولعل من أبرز هذه الأسباب:

* ضعف استشعار الجزاء الأخروي في نفوسنا.

* التباس وتقاطع الشخصي والوظيفي لدينا.

* آلية النظام وتقادمه ووجود ثغرات تسهل الاختراق وتتيح التجاوز.

* البناء الاجتماعي القائم على مفاهيم لا تتلاءم والبناء المؤسسي الصحيح «كالنخوة والمحسوبية والواسطة».

* غياب العقوبات وعدم تقنينها بشكل عادل وشامل ومتكامل يعلمه الجميع.

* المبالغة في الخوف من المستقبل ومن ثم جمع المال بكل الوسائل والطرق من أجل تأمين عيش ومسكن الغد داخليًا وخارجيًا.

* طول مدة بقاء المسؤول في مكانه، ووجود الشللية التي تجتمع على المسؤول وتملي له طرق الشر بل تسهل له سلوكه.

* غياب التوعية الثقافية في حرمة المال العام بشكل واسع سواء من خلال المنابر أو المحاضرات أو اللوحات الإرشادية والتوعوية.

* عدم اختيار الكفاءات لتتولى إدارة الشؤون المالية في كثير من قطاعاتنا الحكومية.

* المحاكاة والتشبه بصنيع غير الممن يعتقد فيهم المعرفة والدراية والوعي.

* اعتقاد البعض إباحة المال العام وهذا أمر خطير جدًا.

* الإحساس بالظلم من قبل الموظفين الصغار، كعدم الترقية، أو أخذ جهده من قبل رئيسه، أو ضعف مرتبه وهو يمارس أعمالاً صعبة وتأخذ من جهده ووقته الكثير..

* غياب المراقبة «والمال السائب يعلم السرقة». وأغرب سبب سمعته من أحد الأصدقاء «أن هذا هو قدرنا!!».

* عدم استشعار المسئولية المجتمعية فالكل يقول: «وش لي بالشر»، فالتستر على المخطئ من قبل المجتمع المحيط به، واستبعاد العقوبة المجتمعية من الظواهر التي تستحق التوقف عندها ودراستها بتمعن.

* التنافس غير المشروع في الحصول على الأرقام المالية الأعلى.

* التناقض بين المناقصات التي تعلن عبر وسائل الإعلام المختلفة وطريقة تنفيذها على أرض الواقع بعد ترسيتها مما يشعر المواطن بالتخاذل والمحاباة ومن ثم تصنفيها ضمن منظومة الفساد.

* وجود بعض المحسوبين على رجال الدين ممن يتيحون ممارسة السلوك الداخل في دائرة الفساد بطريقة أو بأخرى.

هذه الأسباب كانت محل محاورة ونقاش في جلسة خاصة أقرب ما تكون إلى حلقات الحوار الحر والمسئول وجزمًا لكل سبب مظاهره ومعالمه، ما يهم هنا هو وجوب التركيز على معالجة الأسباب لا الظواهر فقط فنحن تحت راية دولة يرفع قائدها خادم الحرمين الشريفين راية محاربة الفساد وقطع دابر الإفساد ومن ثم تحقيق الإصلاح بكل مضامينه وبجميع أبعاده وكل منا عليه مسئولية حسب قدرته وبناء على استطاعته، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
الفساد الحقيقي «داخل ذواتنا»
د.عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة