طالعتنا صحيفة الجزيرة في عددها رقم 14352 بتاريخ 20 صفر 1433هـ الموافق 14 يناير (كانون الثاني) الحالي عن برنامج إنساني اجتماعي قدمه معالي الدكتور ناصر الرشيد رجل الأعمال في المملكة العربية السعودية بسبب انتشار تهريب المخدرات بأنواعها، لوقاية الشباب السعودي رجالاً ونساءً باعتبارهم أمل المستقبل في هذا الوطن العزيز وحمايتهم من خطر هذه الآفة وتبرعه بمبلغ خمسة ملايين ريال لتغطية تكاليف برنامجه الوقائي من هذه الآفة الخبيثة وأضرارها ولمدة أربع سنوات بهدف تشجيع البحث العلمي ولدفع المعرفة في مجال الوقاية من المخدرات ومكافحة هذه الآفة الفتَّاكة.
وبهذا البرنامج الذي وضعه الدكتور الرشيد يستحق الشكر على إنسانيته الاجتماعية من جميع الأسر التي ابتلي بعض أبنائها بإدمان المخدرات.
إن اهتمام القيادات السعودية لمنع تهريب أنواع المخدرات وفرض الأحكام الجزائية الإجرائية انطلق منذ تأسيس المملكة وخصوصاً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - نظراً لتمادي بعض المنحرفين والمجرمين في تهريب وترويج المخدرات المفسدة للأرواح والأبدان عندما صدر عن مجلس هيئة كبار العلماء بالإجماع قرار رقم 138 تاريخ 20 من شهر حزيران يونيو 1407هـ وتضمن فرض عقوبة القتل لمهرب المخدرات وإدخالها الوطن السعودي، حيث لها أخطار بليغة على الأمة بمجموعها، ويلحق بالمهرب الشخص الذي يستورد أو يتلقى المخدرات من الخارج يمون بها المروّجين.
وبالنسبة لمروّجي المخدرات، فقد أكّد مجلس هيئة كبار العلماء إن كان عمله للمرة الأولى فيعزّر تعزيزاً بليغاً بالحبس أو الجلد أو بالغرامة المالية أو بهما جميعاً بحسب ما يقتضيه النظر القضائي، وإن تكرر منه ذلك فيعزر بما يقطع شره عن المجتمع ولوكان بالقتل لأنه بعمله يعتبر من المفسدين في الأرض، وممن تأصل الإجرام في نفوسهم.
وفي هذا المجال أكّد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية أن قرار هيئة كبار العلماء وهو مستمد من أحكام الشريعة الغراء قرار خير ونفع للمجتمع ووسيلة تذكير وإنذار وردع للمتورطين في هذه الجرائم ويدعوهم إلى التوقف الفوري عن أعمالهم وأن تنفذ وزارة الداخلية الأحكام المقررة.
وقال سمو الأمير نايف في حديث عن أضرار المخدرات: كيف نتصوّر أسرة أنعم الله عليها بالخير الوفير وفيها الشباب من الفتيان والفتيات الذين يأمل منهم الأب والأم والأخ والأخت أن يكونوا في المستوى اللائق من التربية الإسلامية التي نشأوا عليها فيجدون فجأة أن هذه الزهور البالغة تتساقط، والسبب الانجراف وراء المخدرات؟ لماذا نقبل هذا ولماذا نستكين؟
وقال سمو الأمير نايف: إنني أتحدث باسم المملكة العربية السعودية فأقول لهؤلاء الذين يتعاملون مع هذا الوباء الخبيث اتركونا وشأننا.
وأشار سموه: ما نطلع عليه كمسئولين عن الأمن هو أن كثيراً من جرائم القتل وجرائم الاعتداء على الأعراض والسرقات والحوادث سببها تعاطي المخدرات بمختلف أنواعها، فكيف نقبل هذه الحقيقة. لقد كنت أنتظر من وسائل الإعلام ورجال القلم أن يتحركوا لدرء هذا الشر وهذا الوباء الذي لا يماثله أي شر أو وباء في الدنيا.
ورغم هذه التحذيرات التي صدرت من قمة الأمن على أرض المملكة تؤكد وزارة الداخلية بأن تهريب المخدرات لا يزال قائماً في هذه الأرض الطيبة.
إن المخدرات والعقاقير المخدرة لها تاريخ سيئ قديم، يكاد يصل إلى قدم تاريخ البشرية، فقد عرف الأفيون في الحضارة السومرية منذ أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وتشير الدراسات إلى تاريخ المخدرات وانتشار المخدرات حيث أطلق عليه اسم نبات السعادة واستعمله قدماء المصريين منذ (1500) سنة قبل الميلاد ووصفوه كدواء يمنع الأطفال من الإفراط في البكاء.
وقرأت مؤخراً عن دراسة تفشي المخدرات في الولايات المتحدة بأن الكثيرين يتعاطون المخدرات التي لها تأثير عميق وبعيد على الإنسانية في المجتمعات الأمريكية.
وفي المكسيك أعلنت مؤخراً بأنها لن تسمح.... لعصابات الجريمة الذين ينشرون المخدرات لأنهم يهددون رئاسة الدولة وزعزعة الاستقرار في البلاد.
لذلك فإن الإدمان على المخدرات لم يعد مشكلة محلية تعاني منها بعض الدول الكبرى أو الصغرى، بل أصبح مشكلة دولية، تتكاتف الهيئات الدولية والإقليمية لإيجاد الحلول الجذرية لمكافحتها واستئصالها، وترصد لذلك الكفاءات العلمية والطبية والاجتماعية باعتبار أي عقار يؤثر على الجهاز العصبي المركزي يمكن أن يتحول إلى مادة للإدمان للأشخاص المضطربين وجدانياً أو ذوي الشخصية القاصرة إنها تؤدي لانهيار الأخلاق، وضعف الكفاءة الإنتاجية والمهنية، وضعف الحماس والإرادة، وتفشي الكسل، وسطحية التفكير، وسرعة الانفعال، وتقلب المزاج، وهي تمثل عبئاً اقتصادياً كبيرا على دخل الأسرة التي هي الخلية الأولى في المجتمع، كما تؤثر على الفرد باعتباره لبنة من لبنات المجتمع، ومتعاطي المخدرات قد يرتكب الجرائم دون وعي أو إدراك.
ومن هنا يجب أن نتحدث عن تفشي المخدرات في العالمين العربي والإسلامي، والشريعة الإسلامية تؤكد أن بيع المخدرات حرام، فيكون الثمن من هذه التجارة حراما لقول تعالى في سورة البقرة: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} (188) سورة البقرة.
وقال تعالى في سورة الأعراف (الآية 157) في قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}.
إن علماء الشريعة القدامى قد أعلنوا أن استعمال الحشيشة الخبيثة بالأكل والشراب حرام ونظمه بعضهم شعراً فقال:
(وأفتوا بتحريم الحشيش وحرقه
وتطليق محتشٍّ لزجر وقرروا
لبائعه التأديب والفسق أثبتوا
وزندقة للمستحل وحرروا)
أقول: وأي خبيث أعظم مما يفسد العقول، لأن العقول من الأمور التي جاءت الشرائع لحمايتها وهي: الدين، والعقل، والنفس، والعرض، والنسب، والمال.
وروى أبو داود بإسناد حسن عن ويلم الحميري قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، انا بأرض باردة نعالج فيها عملاً شديداً، وأنا أتخذ شراباً من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل يسكر؟ قلت: نعم. قال: فاجتنبوه. قلت: فالناس غير تاركيه. قال: فإن لم ينكروه، فقاتلوهم).
لذلك كان الإجماع على تحريم الحشيشة، حيث قال ابن تيمية: إن استحلها (أحد) فقد كفر، وقد جُمع في الحشيشة (120) مضرة دينية ودنيوية، حيث تحدث الفقهاء على المذاهب الأربعة عن خصال قبيحة وهي موجودة في الأفيون، وتورث الفكرة الرديئة، وتجفف الرطوبة الغريزية، وتعرض البدن لحدوث الأمراض، وتورث النسيان، وتصدع الرأس، وتقطع النسل، وتورث موت الفجأة، واختلال العقل وفساده والسل، وفساد الفكر، وإفشاء السر... إلخ.
كما قال ابن تيمية: إن الحشيشة ظهرت أواخر المائة السادسة من ظهور التتار.
وكان الطبيب العربي ابن البيطار من مواليد 575هـ وتوفي في عام 646هـ أول من وصف الحشيش كمخدر علاجي، ومع هذا حذر من تعاطيه لغير العلاج.
ونرجو من العلي الكريم أن يحمي الشباب في المملكة العربية السعودية من تعاطي المخدرات.
- مطيع النونو