من تجربة شخصية، مستمدة من إقامة طويلة في عدة مدن وبلدات أمريكية أثناء الدراسة، يمكنني القول إن من أيسر الأمور تكوين صداقات وعلاقات إنسانية مع المواطن الأمريكي العادي.. ولا أبالغ إن قلت إن الأجنبيَ الوافد إلى أمريكا يشعر بالألفة ويندمج في حياة الناس أكثر مما يشعر بها الأجنبي الذي يفد إلينا وربما يكون سبب ذلك أن الشعب الأمريكي هو «أمة من المهاجرين»، حسب التعبير الشائع، ومنفتح بشكل تلقائي.. بينما نحن محافظون ولا نندمج مع الأجنبي إلا بصعوبة رغم الاعتماد الكبير على العمالة الوافدة في منازلنا ومكاتبنا وفي معظم الأنشطة الاقتصادية.
ومع أن الصورة الذهنية عن الإنسان العربي لدى المواطن الأمريكي تشوهت كثيراً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بسبب فظاعة ما حدث وبسبب الشحن الإعلامي والتعميم الجائر فإنه على المستوى الشخصي لا يجد الإنسان العربي المقيم في أمريكا صعوبة كبيرة في إقامة علاقات إنسانية جيدة مع زميله أو جاره الأمريكي بعدما يحصل التعارف وتنكسر الحواجز النفسية..وفي هذا أجد أن الإنسان الأمريكي يختلف إلى حد بعيد عن بعض الجنسيات الأوروبية.
أتساءل كثيراً، في العديد من المواقف، عندما أجد هذا التناقض الكبير بين لطف وحسن تفهّم المواطن الأمريكي العادي والمواقف الرسمية للسياسة الأمريكية.. فالمواطن العادي يبدي الكثير من التعاطف مع مآسي الفلسطينيين بمجرد أن تُتاح له الفرصة لمعرفة حقيقة الصراع العربي الإسرائيلي.. بينما تنحاز السياسة الرسمية إلى الجانب الإسرائيلي رغم كل ما يتوافر لدى الحكومة الأمريكية من معلومات عن هذه القضية، لكن المؤسف أن فرصة التعرف على حقيقة الصراع لا تتاح للمواطن العادي إلا قليلاً.
من المؤكد أن الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام والفن المرتبطان بدوائر الضغط السياسي والاقتصادي يسهم في تضليل المواطن الأمريكي العادي، فليس من المتصور أن تخدمنا الظروف لدرجة أن يكون لدى كل مواطن أمريكي علاقة صداقة شخصية مع إنسان عربي لكي يشرح له حقيقة المأساة الفلسطينية.. وبالتالي يظل الإعلام هو المصدر الأساسي للمعلومات.. وهي معلومات مغلوطة أو متحيزة في الغالب.
ولنا أن نتخيل كيف يتم هذا الشحن عندما نكتشف أن شرطة نيويورك، مثلاً، تكرس صورة «المسلم الإرهابي» لدى ضباطها من خلال عرض أفلام مسيئة للمسلمين على هؤلاء الضباط لكي يتعاملوا بقسوة وكراهية مع المسلمين بدلاً من إشاعة روح التفاهم والتعامل بالحسنى.. فقد عرضت الشرطة فيلماً بعنوان «الجهاد الثالث: رؤية إسلامية متطرفة لأمريكا» على مدى زمني يتراوح بين ثلاثة أشهر وعام كامل، وشاهد الفيلم 1489 ضابطاً شرطياً.. والفيلم عبارة عن صور مفزعة لأشخاص يرتكبون جرائم وأعمالاً إرهابية تقشعر لها الأبدان وفي النهاية يرفعون أعلاماً إسلامية فوق البيت الأبيض!
اللافت هو أن قائد شرطة نيويورك شخصياً قد تعاون مع منتجي الفيلم..! كما يلفت الانتباه أيضا أن مخرج الفيلم هو عضو في منظمة تعارض انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية.. أما الجهة الممولة فهي صندوق تمويل مكون من أشخاص وجماعات مؤيدة لإسرائيل.
إذا كان هذا الشحن المتعمد يتم من جهة رسمية.. فما بالك بوسائل الإعلام غير الرسمية المرتبطة بجهات معروفة بكراهيتها للعرب والمسلمين!؟ هل رأيت لماذا هي شاسعة تلك المسافة التي تجدها بين مواقف المواطن الأمريكي العادي عندما تصله المعلومة الصحيحة ومواقف الأشخاص الذين يتم شحنهم بالمشاعر السلبية تجاه العرب والمسلمين من قبل أجهزة الإعلام والسينما؟ إنها نفس المسافة التي تفصل ما بين الموقف السياسي الرسمي وموقف المواطن الأمريكي عندما تُتاح له الفرصة لمعرفة حقيقة ما يجري في منطقتنا.. ودائماً فتش عن الإعلام!
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض