جاء الدين الحنيف مبشراً للناس بالرحمة من رب العالين، وداعياً الإنسان أن يرفق بأخيه الإنسان، ومخاطباً بالحسنى الناس أجمعين، ولم يحمل في مقاصده الكراهية والعداء للخصوم والأعداء، بل أمر أن يجادلهم المؤمن بالتي أحسن، لكن عندما أسمع بعض خطباء الجمعة، وهم يدعون على الآخرين بيتم أبنائهم أتوقف عن الرد بآمين خلف الخطيب الغاضب، وطالما وددت أن يدعو الأمام لهم بالهداية والتسامح والرفق بدلاً من اللعنة التي لا تبقي منهم أحدا على الحياة، ودائما ما تساءلت عن سر ذلك الغضب والبغضاء التي تكاد تتفجر بين كلمات الوعد والتهديد، وهل بالفعل يدعو ديننا الحنيف إلى قتل الكفار والمخالفين أم أمر بأن نجادلهم بالتي هي أحسن، وندعوهم لكلمة سواء بيننا وبينهم نحترم من خلالها المواثيق والعهود ثم العيش في أجواء الحرية والتسامح.
يظهر مأزق الخطاب الديني عندما يربط رسالته باختلاف ألوان السياسة وخطابها البشري، لأن الناس أصبحوا يعون التناقض في الخطاب وتغيره مع اختلاف الرأي السياسي، فالموقف من الآخر لا يجب أن يتبع الرأي السياسي، أو أن يُجيز مهاجمتهم عبر المنابر إذا أظهروا عداءً سياسياَ له علاقة بالمصالح والمنافع الفئوية، وليكن الرد من خلال قيم الدعوة للحرية والاستقلال والمشاركة وحقوق الإنسان والدعوة بالهداية والتعايش بعضهم مع بعض من خلال قيم التسامح وقبول الآخر، على أن لا تتسلط الأقلية على الغالبية، أو تهضم الغالبية حقوق الأقلية.
يوجد أقليات من السنة المسلمين في كثير من البلاد الأخرى، فهل يصح أن يدعو الآخرون في الملل الأخرى أربابهم أن ييتموا أبناء السنة؟ أم أن الفضيلة أن تكون الدعوة بقبول الأقلية السنية في المجتمع واحترام حقها الطبيعي في ممارسة حقوقها السياسية و واجباتها الدينية، وعلى سبيل المثال: يوجد أقلية سنية في إيران، فهل موقفنا يكون في حثهم على محاربة الغالبية المتسلطة أم ان ندعوها للتسامح واحترام المواثيق والحقوق، كما فعل سيد الأنام عندما قدم إلى المدينة أوعندما فتح مكة، وذلك ينطبق على ما يحدث في سوريا؛ لأن الحرب الأهلية هناك تقوم على الصراع على المصالح، لأن جزءاً من السلطة المستبدة ينتمون للسنة، ويجب أن لا نحاول تقديم الصراع الطائفي على أنه سبب الثورة، لأن السبب الأهم هو الاستبداد وغياب قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، وليس البعد الديني.
كثيراً ما كرهت ذلك الدعاء الذي يدعو إلى إيذاء الآخرين ويتم أطفالهم، والسبب أن نفسي لا ترتاح إلى ذلك تيمناً بقول رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام (استفت قلبك ولو أفتوك..)، فالأدعية الدموية يجب أن لا ترتبط بالخطاب الديني، وأن يكون المنبر الديني خطاباً تنويرياً يدعو الأمم الاخرى لاحترام حقوق مواطنيها وأن يعاملوهم بالحسنى؛ لأن الاستبداد لم يكن مرتبطاً فقط بالأمم والطوائف الأخرى، ولكن أيضاً كان ولا زال أحد أدوات بعض البلاد السنية، وهل من الجائز على سبيل المثال أن ندعو إلى يتم أبناء أعضاء الحكومات السنية الذي مارست الطغيان ضد شعوبها، وإن لم تخنني الذاكرة لا أتذكر أن شيئاً من ذلك حدث، وهل كان سبب استثنائهم انتماءهم للطائفة السنية أم الخطاب السياسي كان مختلفاً أيضاً، فجاء الخطاب الديني متوافقاً معه.
كما أسلفت في مقالات سابقة حان وقت إغلاق ملف الخطاب الديني الذي يدعو للعنف، والذي كانت آثاره دموية للغاية، وصلت أشلاؤها إلى المنازل القريبة من المجمعات السكنية التي حكم المتشددون على ساكنيها بيتم أبنائهم، فكانت النتيجه في غاية الوحشية، لذلك علينا تحمل مسؤولية استبدال الخطاب الديني العنيف وتقديم الخطاب الديني الذي يدعو للتسامح واحترام المواثيق، والابتعاد قدر الإمكان عن ألوان الطيف السياسي والذي من طبيعته الاختلاف والتلون من زمن لآخر.