من يتابع حرص روسيا واستبسالها في حماية النظام السوري حتى على جثث آلاف السوريين الأبرياء يصاب بدهشة كبيرة، ويشعر أن هذه البلاد كانت مجرد مستعمرة روسية سرّية تدار منذ عشرات السنين من الكرملين، صحيح أن كثيراً من الدول يكون لها أصدقاء، وترتبط بعلاقات حسنة مع الدول المحيطة أو ممن ترتبط به بعلاقات ومصالح مشتركة، لكن لا يصل الأمر إلى هذه (البجاحة) في حماية نظام دموي، أطلق دبابته وقناصته كي تقتل كل يوم بين ثمانين ومائة شهيد، ما بين رجل وامرأة وطفل.
حتى الدول التي تتعاطف أو تحمي دولة صديقة لأهداف ومنافع اقتصادية، تتخلى عن ذلك حينما يصبح الأمر مكشوفاً تماماً، ولا يطاق بطريقة أو أخرى، فروما مثلاً التي تربطها صداقة مع الدكتاتور الليبي تخلّت عنه حينما أصبح دموياً بطريقة مخجلة، لكن يبدو أن الساسة الروس لم يزل لديهم أمل في بقاء النظام الروسي!
كم كان مؤلماً أن تدك قوات الجيش، ذلك الذي كان يفترض أن يحمي شعبه، إلى قلوب هؤلاء المواطنين السوريين، كم كان قاتلاً أن يتعلم الأطفال في مدارسهم أن الجيش يحمي حدود البلاد وناسها من الأعداء، كم كان مخجلاً أن يحلم الطفل بأن يكون جندياً يحمي وطنه، وهو يرى كيف هم الجنود ينتهكون عرضه، ويسحلون أمه وأبيه، ويقتلون إخوته بدم بارد، ولا تتوجه فوهات بنادقهم إلى العدو على مسافة (هضبة)!
حينما تقرر السعودية سحب مراقبيها فهو أمر طبيعي، لأن الحلول الدبلوماسية لم تعد مجدية، ومحاولات الإصلاح السياسي والاجتماعي أصبحت مجرد نكتة سورية بطعم العلقم، ولا حل إطلاقاً إلا برحيل النظام برمته، لا الرئيس فحسب، ولابد أن يكون موقف مجلس الأمن حازماً وقطعياً، لأن ترك سوريا بهذا الحال سيقودها إلى مزيد من القتل اليومي المجاني، وربما إلى حرب أهلية كنتيجة طبيعية لهذا القمع، فهل يتم دعم الجيش السوري الحر، كي يحرر البلاد المحتلة؟ فما معنى أن تكون بلداً محتلاً؟ معناه ببساطة أن يخرج الشعب بأكمله ويقول لك: لا، نحن لا نريدك، ويردد عبارات: ارحل، بينما تأتي دولة أجنبية كي تحميك!.
أن تكون محتلاً، هو أن تقف دولة بجوار النظام الحاكم حتى لو كان دموياً، وأكاد أجزم أنه لو تدخلت قوات أجنبية، عبر حلف أو ما شابه، ستظهر عشرات الاتهامات صوب الأطماع الغربية، ومخططات الغرب، و... و...إلخ، لكن لا أحد يتحدث عن الاستعمار الروسي الذي أصبح معلناً، ولا التدخلات المباشرة وغير المباشرة من دول أخرى على المستوى الإقليمي، وكأنما النظام سيكون أداة مذعنة بيد من يحميه، بينما يحرّم على الشعب المغلوب على أمره أن ينادي ويطالب بمن يحميه، حتى لو كان عدواً، فليس بعد شفرة السكين، ولا بعد فوهة البندقية، ولا بعد ماسورة الدبابة التي ستدك البيت على أهله، أي منطق أو تفكير عقلاني.
حفظ الله سوريا وأهلها، وحماهم ممن انتهك الدم والعرض والمال.