هناك فارق كبير بين التفاعل الإيجابي مع متغيرات المنطقة العربية من قِبل دول الجوار الإقليمية والتفاعل السلبي.
لا تنكر دولة ولا أي جهة على غيرها الحفاظ على مصالحها المشروعة، وتنميتها، وأن تتفاعل مع المتغيرات لتطوير تلك المصالح، إلا أنه - وفي المقابل - ترفض أي دولة، وكذلك مواطنوها، أن تطغي تلك المصالح على الركائز الأساسية للدولة المستهدَفَة؛ حيث تنال من مقوماتها وأمنها الوطني ونسيجها الاجتماعي بحجة تعزيز مصالح الدولة الجارة.
التعاون والتنسيق وخدمة مصالح الدولتَيْن والانخراط في مشاريع التنمية المشتركة وتطوير التجارة أمرٌ مطلوب وشرعي لتعزيز المصالح، وهو ما يصنَّف بالتفاعل الإيجابي، أما عكس ذلك كاستغلال المتغير لزيادة النفوذ، وتوسيع دوائر الهيمنة، والتدخل في الشؤون الداخلية لصنع واقع يجرِّد الدولة المستهدفة من مقوماتها، والإخلال بنسيجها الاجتماعي، وإثارة الفتن وتقوية طائفة على أخرى، وإنشاء قوى تدين بالولاء للدولة الجارة على حساب الانتماء الوطني.. فإنه يُعَدُّ تدخلاً سلبياً، لا يجلب سوى العداء والخلاف بين الدولتَيْن الجارتَيْن.
على ضوء هذا الفَهْم وهذا التصنيف ما يتم من علاقات بين الدول التي تتقاسم الإقليم الواحد، كالعلاقات التركية الإيرانية بالدول العربية. فمن خلال ما نشهده من تشابك في العلاقات بين دول الإقليم الواحد يتضح بجلاء ووضوح نوعية التفاعل من قِبل أنقرة وطهران مع ما يحصل من متغيرات على الساحة العربية. وهنا لا بد من الإقرار بأن كلاً من الدولتين اللتين تعدان في مقاييس المنطقة قوتَيْن إقليميتَيْن، لا يستهان بهما، استغلتا تفوق عناصر القوة لديهما لتحقيق اختراق واضح على الساحة العربية، دون إغفال الوجود الإقليمي والدولي لقوى عربية، تمتلك من عناصر القوة والتفوق ما يضعها في موازاة الحضور الإيراني والتركي، إلا أن اختلاف التعامل وأساليب التدخل تختلف وفق مفاهيم وفلسفة إدارة العلاقات الدولية بين هاتَيْن القوتَيْن والدول المحورية العربية.
نعود إلى أسلوب ونهج طهران وأنقرة في التعامل مع ما تشهده الدول العربية من متغيرات، التي يراها البعض أنها أدت إلى تآكل القوة العربية؛ ما سمح لإيران وتركيا بالتدخل في الشأن العربي تدخلاً سلبياً من قِبل إيران، وإيجابياً إلى حدٍّ ما بالنسبة لتركيا.
ومع أننا لا نقر بضَعْف الموقف العربي تماماً إلا أنه من الأفضل والمستحسن من العرب أن يتعاملوا بواقعية وبتفهم مع ما يسعى إليه الجيران؛ فالوقوف بقوة والتعامل بحصافة وتفهم مع المسعى الإيراني، الذي يعمل على توسيع تدخلاته السلبية في الشأن العربي لتجاوز ما هو مقبول لتعزيز مصالحها بوصفها دولة جارة، لا بد أن يقابله تعامل وبالتفهم والفهم نفسيهما مع التدخل الإيجابي من قِبل الجار الآخر تركيا؛ لهذا فإن الاجتماع الوزاري المشترك للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتركيا، الذي يبدأ اليوم في إسطنبول، يندرج تحت هذا المفهوم، الذي تسير عليه دول الخليج العربية، القوة العربية الأكثر تماسكاً، والموازية للقوتين الإقليميتين، وهو اجتماع لن يكون موجَّهاً للقوة الإقليمية الثالثة بقدر ما يكون دافعاً وحافزاً لتلك القوة؛ لتحسِّن تعاملها وتتجه للتفاعل الإيجابي مع الجيران بدلاً من السلوك السلبي الذي لا يساعد على تعزيز مصالحها، إن لم يؤدِّ إلى إضعاف تلك المصالح وتقليصها.