ليس هناك أسوأ من تزوير العلم، ولذا فإن الدول الغربية تولي هذا الأمر أهمية شديدة، وتوقع أقصى العقوبات على من يقوم به، لأن مزور العلم في الغالب يتولى مسؤولية اجتماعية تتعلق بعموم الناس، ومن الصعب قبول أن يقوم بهذه المهمة من يفتقد لأبسط «الأخلاقيات» التي يجب أن تتوفر بمثل من يقوم بهذا العمل، وأذكر بهذا الخصوص أن طالبا خليجيا بإحدى الجامعات الأمريكية أهدى - بحسن نية - ساعة ثمينة لمشرفه الدراسي، فتم فصله من الجامعة!. علينا أن نعترف بأن لدينا اشكالية كبيرة، فحقوق الملكية الفكرية مباحة ومستباحة بشكل غير مسبوق حتى وصل الأمر درجة أن يحجم من تتم سرقة جهده عن حتى مجرد تقديم الشكوى، ناهيك عما يسببه ذلك من الإحباط للمتميز الذي يتحاشى العمل خشية سرقته وبالتالي ضياع جهده.
خلال السنوات الأخيرة، تطور الأمر بشكل لافت فيما يتعلق بالحصول على الشهادات العليا، فقد انتشرت «دكاكين» بيع الشهادات في معظم المدن، وما عليك إلا أن تدفع مبلغا مقطوعا، وتحضر أستاذا من «واسعي الذمة» ليتم دمغ اسمه على شهادتك المزعومة، وبعدها تقوم بزيارة أحد المطابع لتجهيز الكروت الجديدة، ومن ثم توزيعها في كل محفل بلا حياء ولا خجل. المثير للسخرية أن بعضهم يزعم الحصول على شهادته من جامعة أمريكية أو بريطانية، مع أنه لا يتحدث حرفاً من اللغة الإنجليزية، ولم يسبق له أن سافر إلى تلك الدول، كما أن بعضهم يحصل عليها في القانون، مع أن شهادته الجامعية في اللغة العربية، أو يحصل عليها بالتربية مع أن تخصصه الأصلي هو الزراعة، وغير ذلك مما لا يصدقه عقل.
تنبه المسؤولون لهذه الشهادات التي هبطت فجأة خصوصاً في قطاع التعليم، فاتخذ طيب الذكر الدكتور عبدالله العبيد وزير التربية والتعليم السابق قراراً بهذا الخصوص، يمنع بموجبه استخدام اللقب العلمي في المخاطبات الرسمية إلا لمن تمت مصادقة شهادته من وزارة التعليم العالي، ولكن مشروعه توقف في منتصف الطريق بعد تركه للوزارة بأشهر. الآن عاد الموضوع إلى السطح من جديد بعد أن تورط أحد المسؤولين الأجانب عن بيع الشهادات العلمية الوهمية، ونتمنى أن تواصل وزارة التعليم العالي جهودها بهذا الخصوص، فالأمر أخطر مما يتصور بعضهم، وقد يقود إلى تدمير أخلاقيات العلم والعمل والتأثير سلباً على الأجيال القادمة، ولا يمكن بأي حال التقليل من شأنه تحت أي ظرف.
لقد حان الوقت لإصدار نظام يجرم مثل هذه الأعمال، وإنزال أقصى العقوبات بمرتكبيها، ويبدو أن هناك جهوداً مستمرة بهذا الخصوص، ولعل القرار الذي صدر مؤخراً من قبل وزارة الإعلام بإدانة أحد المؤلفين بالانتحال، وتغريمه مبلغاً كبيراً وايقاف توزيع كتابه يكون فاتحة خير للوقوف بحزم ضد مخالفي أنظمة «الحقوق الفكرية» الذين يستوي منهم من زور شهادة علمية مع من سرق كتاباً، لأن عدم إغلاق هذا الباب من الآن ستكون له عواقب وخيمة على «العمل الفكري والثقافي» مستقبلاً.
فاصلة : «افعلوا ما تشاؤون.. لكن دعوا الفكر لأهل الفكر».
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2