*في صفحات تاريخنا الرياضي ..رواد أفذاذ و رجالات أوفياء ورموز كبار وأسماء لامعة خدمت الحركة الرياضية بالمملكة بكل إخلاص وعطاء وتفان, وساهمت -تلك النماذج البطولية -في إرساء دعائم البناء وقواعد التكوين الرياضي لكثير من الأندية المحلية ,حتى أصبحت معظم هذه الأندية جزء من التنمية الرياضية الشاملة بإنجازاتها الذهبية ومنجزاتها الوطنية الخالدة. ولعل مؤسس الاتحاد الراحل الشيخ (حمزة فتيحي) أحد الرموز الوطنية الكبيرة التي قدمت تضحيات جسيمة وعطاءات جليلة ودعم كبير خدمة لشباب ورياضة الوطن على مدى حقبة تزيد عن نصف قرن من الزمن, ومن أكبر منجزاته الخالدة تأسيسه نادي الاتحاد المخضرم في الأربعينات الهجرية من القرن الماضي « أول ناد سعودي تأسس في المملكة العربية السعودية.,المؤرخ الرياضي الكبير الأستاذ(محمد القدادي) يكشف وعبر «الجزيرة» جانبا من تاريخ هذا الرمز الرياضي الراحل.

* يقول القدادي في معرض حديثه التاريخي: علاقة الشيخ حمزة فتيحي بالرياضة بدأت في الأربعينات الهجرية من القرن الماضي ,وتحديد منذ عام 1346هـ ,حيث كان يعشق الرياضة منذ صغره ,فبدأ في ممارسة رياضته المفضلة( كرة القدم) في سن باكر من عمره مع أفراد فريق الرياضي الذي تأسس عام 1346هـ بعد استعادة الملك عبد العزيز لمدينة جدة وإعادته الأمن والاستقرار لها, كان ذلك كفيلا بأن يمارس الأهالي حياتهم بشكل طبيعي ويسارع الجيل الجديد إلى تأسيس فريق الرياضي أو الحجاز الرياضي الذي يعتبر أول فريق يمارس هذه الرياضة الحديثة في مدينة (جدة) بعد أن سبقتها (مكة المكرمة) في ممارسة الكرة من جديد, ويضيف القدادي قائلا: إن حمزة فتيحي ذكر في مذكراته التي كتبها عام 1353هـ ,أنه كان أحد الذين وضعوا اللبنات الأولى في بناء وتأسيس هذا الفريق الذي يعد أول فريق تأسس في مدينة جدة والذي كان على رأسه كبار الأسماء التي أصبح لها شأن فيما بعد وهي 00حمزة شحاته , محمد حسن عواد , محمد رضا الذي اختير رئيسا للفريق , يونس سلامة , محمود عارف , عبد العزيز جميل , حسن نصيف (حارس مرمى) محمد جار , أحمد عبد الله زاهد, عمر نصيف , محمد درويش , حمزة فتيحي , عبد الصمد نجيب , إسماعيل زهران , حسن كامل , عباس خميس , محمد علي عتيبي , علي يماني , أحمد أبو طالب , صالح هاشم , صالح سلامة ,عيسى جمجوم وآخرون, ولم يلعب الرياضي إلا مباريات محددة جدا بين لاعبيه وهي أشبه بالمناورات, وبسبب الخلاف بين أبناء الطبقة الكادحة والطبقة المتعلمة الذين كانوا يريدون اللعب .. انفصل جزء من فريق (الرياضي) واتفق-المنشقون - على تأسيس فريق جديد لهم تكون مبادئه قائمة على الاتحاد والترابط بينهم حيث اجتمع الإداريون الذين غادروا الرياضي 00 في مبنى اللاسلكي في (حي البغدادية )وهم حمزة فتيحي وعلي سلطان وعبد الله بن زقر وعبد العزيز جميل وعبد الرزاق عجلان وصالح سلامة وعباس حلواني ..واتفقوا على أن يتم تأسيس فريق جديد لهم ويستوحى اسم الفريق من هدفهم وهو الاتحاد والتآلف ..وهو ما كان مطلوبا وضروريا بينهم في ذلك الوقت, واتفقوا على أن يكون اسم الاتحاد العربي.. وتم اختيار (علي سلطان).. كأول رئيس لنادي الاتحاد الرياضي الوطني في شهر رجب عام 1346هـ ,وكان حمزة فتيحي حاضرا في هذا اليوم التاريخي الذي شهد ولادة الاتحاد الجداوي العريق على يد رموزه الكبار ومنهم حمزة فتيحي, وبعد تأسيسلفريق واصل تمارينه اليومية على ملعب جنوب البغدادية وهي أرض ترابية تعرف باسم القشلة حاليا.. وهو- بالمناسبة- أول ملعب للاتحاد وكان لحمزة فتيحي شرف الانتماء إلى هذا الفريق من يوم تأسس, وكان من الداعمين له , واشترك في جميع مبارياته ومثله في عدة مراكز ,طبعا امتاز الفتيحي كلاعب في أيامه الخالية بامتلاكه فنيات عالية واهتمام غيرعادي بكرة القدم ,حتى أنه أصيب( بالعين) عام 1351هـ ,باعتبار أنه كان يتمتع بلياقة عالية وغير عادية رماه بالعين بعض الجمهور الذين كانوا يتابعونه في التمارين..!! وما ذكره لي -والكلام للقدادي- أنه بعد نهاية التمارين اتجه للقهوة التي كانت بجوار الملعب طالبا شايا وكان يقدم في براد من الفخار.. وسقط من يده بعدما أغمي عليه ونقل إلى منزله وظل غائبا عن وعيه أياما (مريضا) ..لا يعلم ما هو وضعه عدة أيام . حتى شفي من مرضه ,بعد إن رقي بالقرآن أياما , لعب حمزة فتيحي في كل المراكز لكنه كان يفضل اللعب مهاجما أو وسطا متحركا المركز الذي لم يلعب فيه ولم يحبه حارس مرمى , وزاد قائلا00كان الرمز الراحل من الأوائل إن لم يكن الأول من اللاعبين الذين لعبوا الكرة بحذاء رياضي منذ بدايته وواصل على ذلك حتى اعتزاله اللعب, وكان يخيطها لدى المغربي في جدة أو يحضرها من مصر , وكان حريص على انتعاش الرياضة بمدينة جدة فقد تأسس فريق الاتفاق على يد مؤسسه أمين تونسي في عام 1351هـ باقتراح ودعم من حمزة فتيحي للضغط الكبير الحاصل على فريق الاتحاد من اللاعبين الذين يتمنون اللعب فيه ,كما أسس (يرحمه الله) فريق الإخاء الفلاحي بمساعدة الشيخ عبد الحميد مشخص-رحمه الله - عام 1350 هـ وهم طلاب مدرسة الفلاح بجدة, ووجد الفتيحي أن هذا الفريق سيجعل الاسم يقتصر على هذه المدرسة, بينما هناك مدرسة أخرى اسمها المدرسة السعودية فحول اسمه إلى الفريق المدرسي عام 1352هـ ,

* عندما تعهد زهران إسماعيل في ليلة تأسيس النادي بإحضار شعار للفريق تم إحضار الشعار المكون من الأسود والأصفر من السودان بوصفه البلد الأقرب والأسهل لهم للسفر إليه وذلك لكثرة السودانيين المسافرين و العائدين منه.. ممن يلعبون الكرة ,وتم اختيار اللونين الأسود والأصفر.. ولقد استهوى هذين اللونين قلوب الاتحاديين الذين لعبوا بهذا الشعار أمام البارجة الإنجليزي. واقترح الفتيحي بإضافة اللون الأبيض.. لأن ( السروال) كان باللون الأسود في أغلب الأحيان ويكون داكنا فاقترح (يرحمه الله) إضافة اللون الأبيض ليفتح اللون وتم اعتماده.

* لم يكن الرمز الراحل حمزة فتيحي محبا لذاته إلا بقدر محبته للآخرين.. مشكلته طوال حياته أنه كان لا يؤثر نفسه بشيء بل وهب نفسه لأصحابه وللمجتمع ولأهله كان باب داره مفتوحا فبقدر أنه كان خجولا ..إلا أنه كان اجتماعيا يحب الجميع , *فبعد أن نشأت الرياضة كان حمزة فتيحي- يرحمه الله -واحداً من أبرز عشرين رائدا اتحاديا عملوا على بثها، وأحد اثنين قاداها إلى الاعتراف وأحد أربعة قياديين ساروا بها إلى دروب المجد بعد أن اعترفت الدولة والمجتمع بها, كان يؤسس الفرق وينشرها في أزقة وأحياء جدة فريقا تلو الآخر لم يبحث عن عائد ولا جاه ولا مكسب لسبب بسيط أنه لم يكن في ذلك الوقت هناك عائد , أما المكسب فلا يوجد فلم يكن فيها إلا الخسارة المادية التي بذل وضحى لها حمزة فتيحي من حسابه وصرف الكثير على الرياضة عموما.. وليس لفريقه فقط.. لكنه كان يرى المكسب في الفوز والتطور الذي لم يبتعد عن ناظريه , كان يطارد وزملاؤه من أجهزة الشرطة وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تلك الأيام الخوالي , ويوقف بعضهم أياما وتتدخل الشفاعات والوساطات من بعض المحبين المتعاطفين معهم ومع الرياضة لإخراجهم من التوقيف ومساعدتهم في الحصول على التراخيص في المباريات أو التأسيس لبعض الفرق وقت آخر في نهاية الستينيات الهجرية ,وقد أصدرت وزارة الداخلية تعليمات نشرتها حول الضوابط التي ينبغي الالتزام بها من يريد تأسيس فريق ..وكان حمزة فتيحي يختار مجموعة من الشباب ويقنعهم ليؤسسوا لهم فريقا يستطيع اللاعبون أن يمارسوا الكرة مع أقرانهم وهم في نفس المستوى العمري, إن نظرة الفتيحي الشاملة غير الأنانية كانت ثاقبة ويدرك أن تأسيس الأندية هو من سيدعم الحركة الرياضية وانتشار نشاطها ,لذا كان من الداعمين أيضا للحركة التأسيسية للنادي الأهلي , وقصة التأسيس ..كان (حسن شمس) يجد فرصة ضعيفة للمشاركة مع فريق الاتحاد .لأنه كان يعج باللاعبين كبار السن والمستوى, وكان صديقا عزيزا للاعب حمزة فتيحي الذي كان يكبره بسنوات ..وكان قائدا للاتحاد آنذاك.. حيث أسس له فريقاً عام 1355هـ وهو العام الذي يؤكد عليه الأهلاويون المؤسسين بما فيهم حمزة فتيحي واللاعب عبد الرزاق بترجي وعبد الله الصائغ وناصر عبد المطلب.. أن الأهلي تأسس في ذلك العام وكان أغلب اللاعبين في الأهلي ممن يلعب في مدرسة الفلاح وجميعهم لا يتجاوز أعمارهم 15 عاما , اختار الفتيحي لهم الاسم الجدد الأهلي وحدد الملعب في البغدادية جوار ملعب الاتحاد ووضع في الفريق حسن شمس الذي ظل يلعب في الفريقين الاتحاد والأهلي في آن واحد فإذا لم يجد الوضع في فريقه الاتحاد ذهب ليلعب مع فريقه الأهلي الجديد, كما أخذ الفتيحي على نفسه وفاءً لصديقه حسن شمس أن يقدم حصصا تدريبية للفريق الجديد الناشئ (الأهلي), فكان يدربهم في الأوقات التي يعترض فيها لإصابة أو مرض أو اليوم الذي لايكون لدى فريقه الاتحاد أي مباراة.. وفي وثيقة تاريخية نشرتها أحد الصحف أن حمزة فتيحي كان أول مدرب للأهلي عند تأسيسه وهذا الدور مثمن من كل أهلاوي لرائد ومؤسسي الرياضة السعودية حمزة فتيحي قبل قيام الأمير عبد الله الفيصل بتأسيس إدارة رسمية في الدولة مشرفة على الرياضة في وزارة الداخلية.. بعد 17 عاما تقريبا وبذلك يعتبر النادي الأهلي هو الفريق الثاني بعد الاتحاد الذي مازال قائما حتى الآن.. وتأسس في عهد الملك عبد العزيز .

*مارس الفتيحي التحكيم بعد اعتزاله وهو الذي كان يعد أحد كبار مؤسسي وصانعي أركان الحركة الرياضية بالمملكة ,وتفرغ للتحكيم عام 1372هـ وهو العام الذي تأسس فيه الإدارة العامة للرياضة والكشافة بوزارة الداخلية ,وكان يعد من الحكام الذين يشهد لهم بالدقة والفهم ونظافة الضمير والنزاهة ..ولما استشعر الأمير عبد الله الفيصل-رحمه الله - الحاجة إلى تأسيس جهة راعية للتحكيم بعد أن أنشأ الإدارة العامة للرياضة وجهة رائد الحركة بابتعاث بعض الرياضيين لدراسة مهنة التحكيم وتحديدا .. إلى القاهرة, وكان حمزة فتيحي أول المنخرطين في هذه البعثة التي تكفل بها الأمير عبد الله الفيصل واستطاع أن ينهي دورته التحكيمية كأول حكم متخرج عام 1375هـ ,وعاد إلى المملكة ومارس التحكيم كأول حكم سعودي معتمد وكانت أولى المباريات التي أدارها الفتيحي بتكليف من الأمير عبد الله الفيصل بين منتخب (جدة ومكة) من جهة ,ومنتخب الرياض من جهة أخرى حضرها الملك سعود -طيب الله ثراه-وفاز منتخب جدة ومكة 7/1 على منتخب الرياض .