الأصوات المنادية بحقوق المرأة أكثر من أن تُعَدّ، والأصوات المحتجة على هذه الحقوق بالقوة نفسها أو تزيد، وللمرأة نصيب الأسد من هذه الأصوات المحتجة! كيف هذا؟ لأن من ينادي بحقوق المرأة خرج عن الحقوق الحقيقية وذهب إلى حقوق وهمية بل هي ليست حقوقاً بقدر ما هي دعوة لتقليد المرأة الغربية في كثير من هذه الأطروحات!!
حقوق المرأة مهضومة، والمرأة مظلومة ومجني عليها في كثير من الحالات، وهي تئن كثيراً، ولا أحد يسمع أنينها! والمرأة تعاني كثيراً في مجتمعنا المسلم من تسلطنا معشر الرجال وسلبها حقوقها، هذه حقيقة يجب الاعتراف بها أمام الملأ؛ فلا خير في قلم لا يقول الحقيقة، ولا خير في مجتمع لا يسمعها ويسعى لعلاجها. لكن الحقوق التي ملأت الإعلام ضجيجاً - بكل أسف - لا تتطرق لهذه الحقوق المسلوبة، ولا تقترب من المشكلة المتأزمة، التي هي مشكلة كبرى، وتحتاج إلى علاج شرعي وسياسي في الوقت نفسه. الحقوق التي ينادي بها البعض لا تعد حقوقاً شرعية بقدر ما هي مجاراة للمجتمعات التي يقال عنها متحضرة (مع تحفظي على هذا الاسم). ما ينادي به البعض في بعضه حق، وفي أكثره باطل، ولكنهم لم يناقشوا الحقوق المسروقة والمنتهكة للمرأة على مرأى ومسمع من المجتمع ومؤسساته الشرعية والسياسية! لم يناقشوا ما تقع فيه المرأة من ظلم زوجها لها في حالة عدم الألفة، لم يناقشوا عضل الولي لها، لم يناقشوا حقها في حضانة أطفالها، لم يناقشوا حقها في نفقة أولادها من والدهم المطلِّق، لم يناقشوا حقها في التصرف بمالها، لم يناقشوا حقها في الإرث، لم يناقشوا حقها في الدفاع عن نفسها عند القضاء، لم يناقشوا حقها في الملكية المطلقة، لم يناقشوا حقها في العمل حسب ما تريده هي لا ما يريده هم (وأعني هذه الأصوات). هذه بعض حقوق المرأة التي يجب علينا فعلاً المناداة بها والسعي لإقرارها بقوة النظام. تصلني بين الفينة والأخرى من بعض الأخوات رسائل شاكية باكية من ظلم وتعدٍّ على حقوقها المادية والعاطفية، ولا تجد من ينصفها؛ فتلجأ إلى مثلي؛ لعل صوتها يصل ولو بعد حين. من الظلم الذي يُرتكب ضد المرأة وضعها في حالة معلقة، لا هي متزوجة ولا مطلقة، ومثل هذه الحالة ليست فردية بل شائعة ومنتشرة، وبطلها رجل يدعي أحياناً أنه يراقب الله! مثل هؤلاء الرجال الظلمة يحولون مثل هذه المرأة إلى إنسانة تعاني أشد الألم، وتصارع أعنف الأرق، ومع ذلك لا تستطيع أن تقول شيئاً لغياب الضمير عند الرجل والتنظيم الصارم عن القضاء، فالقضاء رده السريع على شكوى مثل هذه الحالة الخلع، ويعني أن تدفع المرأة للرجل مبلغاً يرضى به مقابل تطليقها، حتى ولو كانت قد أنجبت منه!! أليس هذه القضية هي الأجدر بالنقاش؟
ومثل هذا الوضع المحزن الكثير من هموم المرأة، التي لا تعني هؤلاء المنادين بحقوق المرأة البتة بكل أسف.
إنني أنادي بحقوق المرأة الحقيقية قبل الحقوق الثانوية فكيف بالحقوق المزيفة والمزعومة؟! المرأة تعاني الظلم والجور في كثير من شؤون حياتها، ولا يعني وجود فئة من النساء يتمتعن بكامل حقوقهن بل ويتجاوزن ذلك أنه لا يوجد ظلم وجور، بل إن الظلم والجور منتشر بشكل مخيف، خاصة خارج المدن وفي بعض المناطق.
إن الدعوة إلى منح المرأة حقوقها يجب أن تنطلق من قِبل هؤلاء الذين يهاجمون المنادين بالحقوق المزعومة؛ حتى تكون الأمور واضحة أمام المرأة، من هو الذي معها ومن هو الذي ضدها، قبل أن تضيع هي مع حقوقها.
والله المستعان.
almajd858@hotmail.com