هناك نوادركثيرة سطرتها أقلام الأدباء والمؤرخين، ولم يستثن من ذلك أحد، وبعضها صحيح وبعضها الآخر موضوع لغرض التمليح، فهناك من سطّر شيئاً عن غرائب الحاكم بأمر الله الفاطمي، وقرقوش، ويوسف بن تاشفين المرابط المتوني الصنهاجي، وجهله باللغة العربية، وهشام المؤيد الأموي الأندلسي، وكافور الإخشيدي، وغيرهم كثير.
وهناك من الوزراء من عصور مضت أصابهم ما أصاب غيرهم، وهناك نوادر البخلاء التي ألف فيها الجاحظ كتابه، ولم ينج المعلمون والصبيان من أقلام الكتاب وتتبع نوادرهم وسيرهم، أما ملح العامة فهي كثيرة مثل أبو دلامة وأشعب.
أما في عصرنا الحاضر، فقد نقلت إحدى الجرائد في المغرب الشقيق بعض الطرائف التي واجهها السفراء أثناء قيامهم بمهامهم في بلدان كثيرة، ولعلنا نورد شيئاً منها للإيناس والاستئناس، ومنها أن سفير إحدى الدول، قد دُعي لحضور حفل دبلوماسي رسمي، فما كان منه إلا أن لبسَ أجمل ملابسه وأكثرها أناقة، وذهب إلى الحفل، وبعد مضي فترة من الزمن إذا بأحد زملائه يسرُّ له في أذنه أن إحدى فردتي حذائه تختلف عن الأخرى في لونها، وعندما نظر إلى الأسفل فإذا ما ذكره زميله عين الصواب، وعزم أن يبقى قليلاً ثم يذهب إلى منزله، لكن زميله سبقه في بث الخبر بين زملائه الذين سارعوا بالنظر إلى حذائه للتأكد، فكانت نادرة ظريفة سعد بها الجميع بمن فيهم صاحب الحذاء.
أما القصة الثانية، فكانت لأحد السفراء الذي دعاه زميله لحفلة عشاء وداعيّة، فذهب إليه وجلس في منزله من الساعة الثامنة حتى الساعة التاسعة، ولم يقدم له عشاءً، فطلب الإذن بالمغادرة، فودّعه زميله مع زوجته، وطلب منه ألا ينسى موعد العشاء غداً.. فعلم أنه قد أخطأ في تاريخ الموعد، فعاد وتناول العشاء في اليوم التالي.
ويذكر أحد السفراء أنه لاحظ أن بنزين سيارته الخاصة ينفد بسرعة، وأن عليه تعبئتها كل ثلاثة أيام حتى لو لم يسافر أو يذهب بعيداً، وكان يظن أن عطلاً ما قد حلَّ بالسيارة، لكن حادثاً مرورياً فضح الأمر، حيث أخذ أحد العاملين في المنزل السيارة كعادته كل يوم ليتفسح بها مع أصحابه، فحدث له حادث مروري، فما كان منه إلا أن ترك السيارة وعاد إلى المنزل وخلد إلى النوم، لكن الأمر تم كشفه وعرفت الحقيقة.
وفي طرفة أخرى دعا أحد السفراء زملاءه لحفل عشاء رسمي، في مدينة أخرى، فسأل المدعو سائقه إن كان يعرف مكان الحفل فأجاب بنعم، وذهب السفير مع سائقه إلى المدينة الأخرى، لكن السائق ضل الطريق وأخذ يسير في الطرقات، فوجد منزلاً كبيراً بجانبه عدد من السيارات الفارهة، والمدعوون يدخلون المنزل، فتوقف عند ذلك المنزل وطلب من السفير النزول لأن هذا هو عين المكان الذي حدده زميله. فترجل من سيارته ودخل إلى المنزل الذي كان يقام فيه حفل زواج، فجلس على الكراسي وأخذت عيناه تتجه يمنة ويسرة لعله يرمق أحد زملائه لكنه لم يفلح، فاتصل بزميله وذكر له الحال، فوصف له المكان، وعلم أن السائق قد تاه، فاتخذ قراراً خاطئاً، وأراد التخلص من الموقف فأدخل السفير في هذا المكان، لكن السفير بقي في مكانه وأرسل له زميله من أحضره إلى الحفل.
وسفير إحدى الدول، كانت زوجته تعمل في بلدها وتأتي إلى زوجها بين الفينة والأخرى، لكن زوجها يكثر الشخير فصبرت بما فيه الكفاية لكنها في نهاية الأمر طلبت منه النوم في الصالون أو في غرفة أخرى لأنها لا تستطيع النوم إلا في هدوء، وهكذا حرم شخيره زوجته منه وحرمه منها.
أما سفير إحدى الدول فقد طلب من سائقه السفر معه إلى مدينة أخرى لمهمة رسمية وفي المساء ذهب السائق إلى بعض الأماكن ليسهر بها، لكن السفير تلقى هاتفاً من مسؤول يحدد له موعداً للقائه غداً مبكراً، فاتصل بسائقه وطلب منه القدوم للعودة فجاء السائق وهو في وضع غير طبيعي فطلب منه السفير الإسراع بالعودة لكنه بدلا من جهة الذهاب، ذهب إلى جهة أخرى معاكسة، ولمح السفير بعض الإشارات فطلب من السائق التأكد أنهم سائرون في الطريق الصحيح، فأكد له السائق معرفته التامة، فظن السفير أن السائق لديه طريقا آخر أيسر وأكثر اختصاراً للمسافة، لكنه بعد مضي وقت كاف رأى أنه قد حل بمدينة أخرى، فتبين له الأمر، وأصبح السفير سائقاً بينما وضع السائق رأسه في المقعد الخلفي وغفا حتى وصل إلى المدينة المقصودة.
هذه بعض من طرائف السفراء التي ذكرت في تلك الجريدة، ولم أشأ أن أتناول بعض الطرائف المتعلقة بالسلوك الشخصي والشجار العائلي، وهكذا فإن السفراء ينالون من الملح ما نال غيرهم.