كلما تأملت الحرية السياسية في الكويت، والنقاش الذي يتحول إلى جدال، ثم إلى ملاسنة، وأخيراً إلى تشابك، أسأل نفسي هل هذه هي المشاركة السياسية؟ ثم هل هذه الحرية ستقود البلاد هناك إلى عدالة، وأي عدالة لم تستطع أن تحل موضوع شعب (البدون) الكويتي، أبا عن جد، متى ستنهي الكويت هذه النقطة السوداء في تاريخها الاجتماعي والسياسي؟
لكن السؤال يصبح شائكاً حينما ننظر في دول الخليج كلها، وهل فيها فئات (البدون) أم لا؟ وما معنى (البدون)؟ هل هي مجرد حرمان من الجنسية؟ أم هي حرمان من (المواطنة)؟ ماذا يعني أن يحرم الإنسان من المواطنة؟ معناها أن لا تلتزم بواجبات محددة تجاه وطنك، ولا تطالب بحقوق من هذا الوطن، لا تقوم بحماية وطنك، ولا المحافظة عليه كمواطن مسؤول، ولا تحظى بحقوق الحياة الكريمة، ومطالبها من مسكن ومأكل ومشرب وعلاج و... و...إلخ.
كما لا تحظى بالمساواة مع المواطنين الآخرين، ولا تنال العدالة المكفولة لك أمام القانون، إذا كانت كل هذه الأشياء لا تتحقق لمواطن، فهو في النهاية لا يختلف عن إنسان (البدون) بشكل أو بآخر.
ما معنى أن تحرم مواطنة بإنشاء مشروع ما، كفلت لها الدولة حقها فيه، بل ودعمتها عبر صندوق المئوية في أن تنشئ معمل عبايات، لكنها تصطدم بعقبة مسؤول ينفي عنها القبيلة المعروفة، ويحرمها منح الترخيص؟ أليست مواطنة من فئة (البدون) في عرف ومقياس هذا المواطن المسؤول؟ حتى وإن كانت تحمل هوية سعودية؟ ما معنى أن تحرم مواطنة من حقها بالعمل من عرق جبينها كي تصرف على عائلة أصيب عائلها بجلطة واكتفى براتب تقاعدي ضئيل، وتتحجج بأنها لم تنتمي لقبيلة معترف بها، كي تحرمها من أبسط حقوق المواطنة؟ أليس في ذلك وصمها بأنها (بدون) حتى وإن كان لها رقم سجل مدني؟ ما معنى أن يجرّد أحد المتحاورين في برنامج تلفزيوني خصمه من (ال) التعريف في اسمه، محاولاً التقليل من نسبه وانتمائه القبلي، أليس ذلك محاولة التقليل من مواطنته، ومنحه رتبة مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة، أو رتبة (البدون)؟ ما معنى أن تتعالى، وفي برنامج تلفزيوني، مواطنة على أختها وشريكتها في بناء وطن واحد، بأنها من عائلة أو (حمولة) محترمة، كي تقلل من خصمتها التي تختلف معها في الرؤية فحسب، لتقاتل الآخرى بأنها (سعودية) أبا عن جد؟ ما معنى أن تثار قضايا تكافؤ النسب بين فينة وأخرى، ويفصل بين مواطن ومواطنة بينها ملح وماء وحفنة أطفال، لمجرد أن هذا لا ينتمي إلى قبيلة معروفة، أو لا ينتمي إلى قبيلة أصلاً، أليس ذلك شكل آخر من حكاية (البدون) الكويتية؟ ألم يقد مؤسس هذا الوطن نهضة هذا البلاد بسواعد عربية جاءت تحمل خبراتها وإخلاصها، فمنحها الجنسية مكفولة الحقوق والواجبات؟ أين ذلك إذن ممن ولد وعاش في ظلال هذا الوطن، بل ممن عاش آباؤه وأجداده هنا، وتعامل معه مسؤول دولة بعنصرية تنفي عنه إنسانيته قبل أن تنفي وطنيته وحقه في الحياة الكريمة؟ أخشى أن تكون (البدون) لدينا مخبوءة، وتنخر بخفاء جسد بلادنا، دون أن نعترف بها.