كنت أظن حتى وقت قريب أن ثقافتنا مريضة ثم رأيت أنها تحتضر فحزنت كثيرا واليوم علمت أنها ماتت ووجبت عليها الصلاة دون ريب.
باتت الثقافة لدينا تعني تبادل التهم والزج بالاحتمالات غير الممكنة ثم الممكنة في نقاش يدور بين من نظنهم مثقفين ولتسهيل المهمة تم وبسبق إصرار وترصد حصر الثقافة في مجال الشعر والسرد فقط فأنت مثقف مادمت شاعرا أو قاصا أو ناقدا لأحد هذين الفنين وقد نتساءل ابتداء لم؟.
للحقيقة فهذا الحصر بات طريقة مثالية ليخرج أحد الأبطال فيقول ببساطة وربما بسذاجة: «احنا مو مثلكم ياالمثقفين..احنا نحترم منجزنا» وبالطبع فالمثقفون هنا هم الشعراء وأهل السرد ونقاد هذين الفنيين.
عجبًا لأمرنا كيف نسقط بسهولة؟! وكيف لا نملك أي قدرة على المقاومة؟!
وما يزال الأمر يسقط والخزي والعار يمتد لتقاذف التهم ممن كنا نحترمهم كثيرا ونحبهم جدا - قلت كنا - ولم نعد نستغرب أي تهمة جديدة لأننا ببساطة لم نعد نصدق أحدا لا من تيار يبحث عن غد مشرق ولا من تيار يفتش عن جمال الثبات والطمأنينة لأننا تعبنا ولسنا راضين مطلقا عما يحدث ولن نرضى أبدا.
بات من اليسير الآن أن يتحدث الغوغاء عن المثقف ولا مانع من اتهامه بكل التجاوزات كالكذب والتزوير ثم التسول وما أدراك ما التسول ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
ليس لدي سوى كلمة يتيمة أبثها في أذن الممتهم والمتهم - بكسر الهاء ثم فتحها - وهي:
ألا تعلمون أن كل جيل يمهد الطريق للجيل التالي له لتبرأ ذمته أمام الله أولا ثم أمام نفسه ومجتمعه؟
أليس واجبا علينا أن نمهد الطريق للتالين لنا ليستطيعوا أن يمدوا التجربة الجميلة ويمتدوا بها؟
أليس هذا حقهم علينا ولا فخر لنا بالقيام بواجبنا؟
فماذا أعددنا لهم؟.. للصدق نحن أعددنا مجتمعا ثقافيا مريضا بل ميتا وعليهم إن أرادوا تصحيح المسار أن يبدؤوا من حيث انتهى الجيل السابق لنا فما يعني هذا؟.
هذا يعني أننا لا نستحق أن يذكرنا التاريخ لأن وجودنا كالعدم بل العدم خير من الوجود..
كانت أمي يرحمها الله تقول: «إذا طاحت الحوامي ما على الجدران شرهة».. وهاهي الحوامي تسقط سقوطا مخجلا فهل نستطيع بعد اليوم لوم الشباب إن بالغوا وتجاوزا ونحن من خطط لهم هذا الطريق؟
همسة:
ولم أرَ في عيوب الناس عيبًا
كنقص القادرين على التمام
الرياض