الكرم من الصفات الحميدة؛ لأنه يمثل الحضارة العربية، ويمثل التاريخ العربي والفكر العربي والكرم بمعطياته الحضارية والإنسانية ولد في هذه الأرض واتخذه أهلها منذ أقدم العصور نبراساً يضيء كل الزوايا في حياتهم، وقد سطر لهم تاريخ الكرم أمثلة لا تغيب عن أحد وخلد تاريخ
الكرم أسماءهم وسجل أمام كل اسم: هذا كريم: نعم، إنه الكرم الذي لا يقتصر على الرجال فقط، بل إن هناك آلاف الحكايات والقصص التي تتحدث عن كرم النساء قديماً وحديثاً، وكيف أن بعضهن ابتلين برجال بخلاء؟
يحكى أن امرأة تعيش في الصحراء وكان زوجها بخيلا يكره إكرام الضيوف، وفي ذات يوم بينما كان هذا الزوج البخيل غائباً عن المنزل، وإذ بمجموعة من الضيوف يأتون إلى البيت فرحبت بهم وقامت بنحر خروف من الغنم وبعد أن طبخته قدمته لهم وأثناء ذلك وصل الزوج وعرف أنها تصرفت هذا التصرف الذي لا يرضيه فنهرها، ويقال إنه ضربها مما حدا بالضيوف التدخل وعندما أيقنت أنهم سيضربونه، قالت أيها الرجال أتركوه لقد كان على حق وأنا المخطئة، لأنني قدمت لكم خروفاً واحداً وهو يطالبني ويضربني ويقول: لماذا لم تقدمي لهم خروفين. عندها تركوه وذهبوا من عنده بعد أن شكروه. ويقال إنه لم يتعظ مما حدا بزوجته أن تذهب إلى أهلها وتطلب الطلاق لأنها تدرك بأن الطيبات للطيبين.
إن ما نشاهده اليوم من الولائم في المناسبات لا يمثل على الإطلاق الكرم الحقيقي فهو تبذير، وبالتحديد مناسبات الأعراس، فتجد أن البعض لا يتعدى الحضور ثلاثين فرداً وتجده نحر أكثر من عشرين خروفاً أخذهم بالدين.
وقد نهى الدين الحنيف عن التبذير، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم أمر أن يولم المتزوج بشاة كقوله لعبدالرحمن بن عوف عندما أبلغه أنه تزوج فقال: يا عبدالرحمن أولم بشاة كما أنه -صلى الله عليه وسلم- عندما تزوج من صفية رضي الله عنها أولم بشاة ووضعها على نطع كما في الصحيحين.
فهل نتعظ بما فعله أكرم البشر وأفضلهم وأن تكون أفراحنا بعيدة عن الرياء والسمعة والتبذير، وأن نكرم ضيوفنا وملبين دعواتنا بشيء معقول وكاف. ولنتذكر أن هناك في مجتمعنا من هم بحاجة إلى مد يد العون والمساعدة، نعم، إن الغنى موجود والفقر كذلك: فهل فكر الأغنياء بالفقراء وعرفوا الفرق بين الكرم والتبذير.
يقول المثل الفرنسي: المبذر أسوأ من البخيل لأنه ينفق ماله ومال غيره وعلى المجتمع أن يضم لا للتبذير لللاءات الأخرى.