وكل أخ مفارقه أخوه
لعمر أبيك إلا الفرقدان
كل المفاجآت المزعجة والمؤلمة قد تمر بالإنسان وتتلاشى آثارها من النفوس على مهل ثم تنسى، غير أن مفاجأة موت الأخيار من والدين وإخوة وأصحاب تبقى آثارها ماثلة في مخيلة المرء المفجوع أزماناً طوالا لا تبرح خواطرهم لعلو مكانتهم وقربهم من قلوبهم ومهجهم، فبينما كنت متأهباً للخروج من منزلي فإذا بهاتفي المحمول يحمل في ثناياه نبأ وفاة أخي العزيز الأستاذ الكريم عبد الرحمن بن محمد المشعل ليلة الأربعاء 24-2-1433هـ إثر دهسه بسيارة عالية السرعة..، فهو أحد تلامذتي النجباء بمعهد المعلمين بحريملاء عام 1383هـ عبر تلك العقود الخمسة الفارطة..، وقد أديت عليه صلاة الميت بجامع الملك خالد بأم الحمام بعد صلاة عصر يوم الأربعاء 24-2-1433هـ ثم تم دفنه بمقابر محافظة حريملاء -تغمده الله بواسع رحمته- وكان غيابه محزنا جداً وموجعا لقلبي لما يتمتع به من دماثة خلق ولين جانب وأمانة وصدق فيما يقوله دوماً..، ولقد خيم الحزن على أجواء حريملاء وعلى منازل أسرته آل مشعل ومحبيه الْكُثر لما يتحلى به من لطف وطيب معشر، وصلة لرحمه وأقاربه، والبذل في أوجه البر والإحسان إلى المساكين حسب جهده المالي...وأكثر ذلك سراً -جزاه المولى خير الجزاء- ولقد ولد في مدينة حريملاء وعاش طفولته بين أحضان والديه وبين إخوته وأخواته في جو يسوده الود والتآلف بين أفراد الأسرة وجيرانه، وحب الخير لجميع من حولهم ومن عاش في بيئتهم ومحيطهم..، وعندما قارب سنه السادسة من عمره ألحقه والده بالمدرسة الابتدائية بحريملاء مبكراً لما بدت عليه مخايل الذكاء والفطنة، وسرعة حفظه لبعض السور القصيرة، والأناشيد المدرسية الخفيفة التي يسمعها من أبناء جيرانه، واستمر في دراسته متفوقاً حتى نال شهادة كفاءة معهد المعلمين بحريملاء عام 1383هـ التي هي بمنزلة الجامعة -آنذاك- ثم عين مدرساً ببلدة البرة والعويند ثم انتقل إلى المدرسة الرحمانية وظل بها مدة من الزمن، ثم انتقل إلى مدينة الرياض مواصلا عمله في التدريس بمدرسة طلحة بن عبيد الله ثم مديراً لها الواقعة بأم سليم غرب وسط الرياض....، بعدها انتقل إلى إدارة التعليم بالرياض وعمل بقسم تأدية مرتبات الموظفين، فقام بعمله بجد وإخلاص وتعاون مع زملائه..، ثم انتقل إلى مدارس تحفيظ القرآن الكريم في نفس مدينة الرياض، وأخيراً حظي بترقية وعمل بمكة المكرمة فترة من الزمن ثم استبد به الحنين إلى مهوى رأسه ومرتع صباه مدينة حريملاء:
المرء يسرح في الآفاق مغترباً
ونفسه أبداً تتوق إلى الوطن
ثم طلب التقاعد عام 1421هـ ليكون على مقربة من أهله، وأسرته ورفاق دربه، فاشترى مزرعة صغيرة آهلة بأنواع من فسائل النخيل المنتقاة ليرتاح فيها أوقات فراغه، وفي أواخر كل أسبوع وإجازة..، فأصبحت معلماً وملتقى لأسرته وأبناء عمومته وأصدقائه الذين يأنسون به ويأنس بهم، بل إنه يمنح بعضهم من ثمارها في مواسم نضجها وجذاذها، فكله كرم ولين جانب يفرح بالزائر وعابر السبيل -رحمه الله- فهو يجد متعة في تردده على البلد وتسريح طرفه في جوانبها وما تبقى من مباني محلاتها القديمة، والسير في أزقتها وإمتاع لحظه صوب جبالها وآكامها مُتذكراً أيامه الأُول ومرحه مع لداته في جوانبها وتسلقهم بسفوحها..، ولقد أكد الشاعر ابن الرومي على حب الوطن حيث يقول :
وحبب أوطان الرجال إليهمُ
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهُمُ
عهد الصبا فحنوا لذلكا
-رحمه الله رحمة- واسعة وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه وإخوته وشقيقاته وزوجته وأنسابه آل جمهور وأسرة آل مشعل كافة الصبر والسلوان.
- حريملاء - فاكس 015260802