كلنا نعرف، يا وزير الشؤون الاجتماعية، أن القضاء على الفقر، يمر عبر بوابات ثلاث لا رابع لها، معالجة البطالة، توفير السكن، ومعالجة الأجور المتدنية للمواطنين، هذا صحيح ومتفق عليه، لكن السؤال الذي يقلقنا، ويقض مضاجعنا، هو كيف نفعل ذلك؟
كيف نعالج البطالة وقد أشهرت وزارة العمل في وجوهنا نواياها في برنامجها حافز، الذي لا يحفّز على الحياة، فضلاً عن البحث عن وظيفة تضمن مستقبلاً أفضل للمواطن؟ كيف نعالج البطالة ونسبة المواطنين العاملين في القطاع الخاص لا تتعدى 16% من إجمالي العاملين، علماً بأن معظم هذه النسبة وهمية، وكلنا نعرف ذلك ونصمت عليه، فمعظم من توظفه الشركات والمؤسسات، هم ممن يحصلون على الحد الأدنى للأجور، وتسجل أسماؤهم دون أن يعملوا، فقط تنفيذاً لنسبة السعودة المطلوبة؟ كيف نعالج البطالة وسوق الجملة والتجزئة في البلاد في يد نمور (البنغال) وصقور (الباكستان) ونسور (الهند) تلتقط كل شاردة وواردة، من على الأرض وفي السماء؟ كيف نعالج البطالة وقد صرفنا من أعمارنا أكثر من سبع سنوات نناقش هل يجوز أن تبيع المرأة في المحلات النسائية أم لا؟ هل نمنحها محلات مكيفة ومغلقة أم نكتفي بجعلها (تدير المهفة على برقعها) فوق الأرصفة؟ كيف نعالج البطالة ونحن كل مرة نكتشف أن هناك آلاف الوظائف النائمة أو الميتة دماغياً، أو المخبأة في أدراج وزارة الخدمة المدنية؟
كيف نوفر السكن ونحن لم نوجد أصلاً وظائف للشباب، كي يعملوا ويدّخروا؟ كيف نوفر السكن ومعظم مدننا الكبيرة تنعم بما يقارب أو يزيد على 70% من مساحاتها أراضٍ بيضاء، ومع ذلك نصفق ونطرب بأن الرياض وجدة هما في المرتبة الثانية والثالثة ضمن المدن الأكثر نمواً في العالم؟ كيف نوفر السكن ونحن كلما اكتشفنا مشكلة لدينا أنشأنا لها وزارة أو هيئة؟ أدركنا أننا في أزمة مع السكن حين عرفنا أن 22% فقط من المواطنين هم من يمتلكون سكناً، فأنشأنا لهم وزارة إسكان، ثم اكتشفنا أن الوزارة تحتاج إلى أراض للبناء عليها، وخشيت أن ننشئ وزارة للأراضي، ثم اكتشفنا أن لدينا مشكلة متأصلة في الفساد، فقررنا إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، وهو أمر أفرحنا جميعاً، وشعرنا أننا وضعنا يدنا على الجرح بعدما اعترفنا بأن لدينا فسادا ماليا وإداريا فعلاً، لكنني خشيت أن نحتاج إلى من يراقب عمل الهيئة، وأننا سننتظر استدعاء رئيس الهيئة تحت قبة الشورى لمناقشة ما أنجزه من كشف الاختلاسات من المال العام خلال عام كامل.
نحن نعرف يا وزير الشؤون الاجتماعية أن الأجور متدنية، وأن ثلاثة آلاف لا تعني شيئاً أمام فاتورة كهرباء تنسف حلم مواطن فقير في أن يوفر قوت يومه، ولكن كيف نرفع الحد الأدنى للأجور وما زال معدل البطالة عالياً، في سوق يقود 86% منه أجانب فاقت تحويلاتهم إلى الخارج سقف المائة مليار ريال؟
نحن نعرف يا وزير الشؤون الاجتماعية أننا احتفلنا قبل أيام بأكبر ميزانية في تاريخ البلاد، وأن من بيننا أكثر من نصف أثرياء العرب، وأن ثمانية وعشرين ثرياً من إجمالي خمسين ثرياً عربياً هم من السعوديين، لو أنفقوا زكاة أموالهم لما بقي فقير عربي، لا سعودياً فحسب، ولكن كيف؟
قل لي بربك كيف؟