الأعمار بيد الله، سبحانه وتعالى، وكل يوم تنقل الصحف، ووسائل الإعلام المحلية والعالمية لنا، خبرا عن وفاة شخص، وربما مجموعة من الناس، نتيجة لانهيارات أرضية، أو نتيجة لكوارث طبيعية كمداهمة السيول والفيضانات في بعض المناطق، والزلازل والبراكين في بعض البقاع، أو نتيجة حدوث أوبئة وتفشي أمراض، أو نتيجة للحروب والمشاحنات في بعض الدول، أو نتيجة لسقوط الطائرات ومصادمة السيارات، وخروج القطارات عن مساراتها، إلى غير ذلك من الأسباب.
والموت حق بلا شك، وهو قضاء الله وقدره، ولا يستطيع أي كائن دفع أجله أو تأجيله، عند انقضاء عمره، ولكن الله - سبحانه وتعالى - خلق الأسباب والمسببات، ومنح عبده العقل الذي يميز به بين الصالح والطالح، والنافع والضار، وأمره أن يحتاط لنفسه، وأن يتخذ الأسباب التي تحول بينه وبين الوقوع في التهلكة، وقال الحكيم لرجل سأله إذا كان بإمكانه أن يتوكل على الله ويترك دابته حرة طليقة دون أن يخشى عليها من الضياع أو الشرود: (اعقلها وتوكل) ونحن عندما نسمع خبر وفاة نهتز من هول الفاجعة ونتألم أشد الألم، وكل ما كان المتوفى أقرب إلينا وألصق بنا، كلما كان وقع ذلك علينا أشد وألمه أنكى، لكن الألم يتضاعف والحزن يزداد، إذا كانت الوفاة نتيجة لتصرف أهوج، وعمل طائش.
وحوادث المرور التي نقرأ عنها أو نسمع عنها يوميا في جميع البقاع من هذا القبيل، أعني أنها أشد إيلاما للنفس وأكثر أسى وحزنا من وفاة حدثت نتيجة لمرض، أو حتى نتيجة لسكتة قلبية أو ما شابه ذلك.
يخرج شخص من بيته آمنا مطمئنا لعمله، أو لقضاء مصلحته، أو لأي شأن من شؤونه، وقد يكون معه في مركبته بعض أفراد عائلته أو جميعهم، أو بعض زملائه أو أصدقائه، فيعترض طريقه شاب طائش يسير بسرعة جنونية أو سائق أرعن يجهل أصول القيادة أو يتجاهلها، أو سائق يسير بمركبة مريضة تحتاج للعلاج والإصلاح، أو سائق سيارة أجرة عيناه مركزتان على اختطاف زبون في الشارع وليستا مركزتين على الشارع الدي يسير فيه، ونتيجة لدلك حدوث إصابات، وربما وفاة أو (وفيات) لشاب في مقتبل عمره تعول عليه أسرته، وأمته ووطنه أعظم الآمال، أو أب تنتظره أسرته وأولاده بفارغ الصبر ولكنه لا يعود فقد اختطفته يد المنون وضاع وضاعت معه أسرته وأحلامه وآماله.
إن حوادث المرور تحتاج إلى وقفة متأنية، لمعالجتها، وتلافي أسبابها، وقطع دابرها، والواقع أن رجال المرور لم يقصروا ولم يدخروا وسعا فهم يبذلون جهودا مباركة، ويسهرون ليل نهار، لحماية أرواح الناس وممتلكاتهم، ولكن الأمر يتطلب الحزم والردع، بحيث ينال المخالف جزاءه فيكون عبرة له ولغيره، وأرى أن يكون (المرور) مادة أساسية في منهج المرحلة المتوسطة تدرس فيه أنظمته، وقوانينه، وسائر تعليماته.
ويجب أن يعلم الجميع أن حسن السير مسلك حضاري، وأن المسلم أولى الناس بالالتزام بهذا المسلك الحضاري، وأن تعليمات المرور يجب احترامها والتقيد بها، وأن الخروج عليها بأي شكل من الأشكال يتطلب العقاب الصارم، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.