لا تتعجّبوا ولا تتأفّفوا ولا تندهشوا ولا تسخروا ولا تصيبكم الصدمة أو الهلع ولا تثيركم الغرابة ويتلبسكم الاشمئزاز، عندما تقرؤون أو تسمعون كلمة «طز» بعد الآن، فهي كلمة ليست قبيحة ولا سيئة ولا بذيئة وليس بها أدنى شائبة، لأنها في الحقيقة تعني «الملح» في اللغة التركية (toz)،
والحكاية كلها عندما كان للأتراك سيطرة كبيرة على البلاد العربية كانت هناك ضرائب على أكياس الشعير والسمسم والفول والحمص والملح وبعض المواد والسلع الأخرى، وكان الملح أقل ضريبة من دون البضائع، وحين يمر العربي بمراكز ونقاط التفتيش يسأله العسكري التركي ماذا معك؟ ومن أجل التهرُّب وتقليل قيمة الضريبة يقول له معي «طز» أي ملح! وفي رواية أخرى أنه أثناء الحرب العالمية الأولى كان الجباة الأتراك يداهمون البيوت في فلسطين بحثاً عن المؤونة لغرض الضرائب عليها، ولكون الملح أقل ضريبة كان الفلسطينيون يدعون لمفتش السلع والمؤن التركي بأنّ أكياسهم مليئة بالملح أي (الطز) فقط، لقد شاعت هذه الكلمة واستخدمت على نطاق واسع في المجتمعات العربية وعلى كافة المستويات، وأخذت عدة أوجه واتجاهات ومقاصد ومعان، وذلك للتقليل من شأن الآخرين الخصوم وتصغيرهم وتعبيراً عن عدم الاكتراث بهم لقلة أهميتهم أو الانتقاص منهم أو المساس بكينونتهم، أما بسبب الغيرة أو لعدم القدرة على مواجهتهم أو لأسباب الثقافة المحدودة والجهل والتخلُّف أو لمجرّد الانتقام والحسد والغيرة، أو الانزعاج من ظهور الآخرين وبروزهم ونجاحهم، لذلك يحاول من يستعمل كلمة (طز) ويتفوّه بها إبراز نفسه بطريقة مميزة، محاولاً تضخيم قدراته ودوره وإنجازاته، ويظن جاهداً أنه من خلال هذه الكلمة يقلل من شأن الآخرين، حتى لا يكونوا في مستوى المنافسة للموقع والمكانة والدور الذي ارتضاه لنفسه، رافضا أي نقد له بل يعتبر أي ملاحظه أو إشارة إليه بأنها تعني الانتقاص من مقامه المرموق الكريم، وتسبب له الآلام والجراحات العظيمة التي لا يمكن برؤها ولا شفاؤها بسهولة، لأنه يشعر وبثقة تامة بأنّ روحه يسودها الخيلاء والتعالي الكبير على سائر الآخرين أفراداً وجماعات، رغم الثغرات ونقاط الهوان وممرات الضعف التي يعيشها، من هنا اتضح معنى كلمة (طز) وأن ليس لها قبح ولا شذوذ معنى ولا رداءة، وأنّ مستعملها هو من تنقصه الحكمة واللباقة، ويريد من خلالها حماية مصالحة وحقوقه ومركزه بالطريقة وبالأسلوب غير الصحيحين وبتهور وصدامية، وانطلاقاً مع الأهواء والرغبات بعيداً عن الضوابط والالتزامات، دون أن يدري أو يعي هذا المسكين بأنه جلب على نفسه الشقاء وأساء علاقته مع الآخرين بعيداً عن ظل العقل ونوره وحكمته.
ramadanalanezi@hotmail.com