عادة، يورد أحدنا قصة حصلت قبل عقود أو قرون تحمل العبرة ويستقى منها الحكمة، وقد غادر أبطالها الزمان والمكان. بيد أن بطل هذه القصة معاصر لزماننا الحديث وهو الدكتور عبد المنصف بن سالم عالم الرياضيات ومؤسس جامعة صفاقس الذي سجنه نظام ابن علي نظرا لآرائه التي لا تتوافق مع نظامه، حيث تم سجنه عام 1987م لمدة تقارب عامين.
ثم قضى ثلاث سنوات أخرى في السجن بسبب حديث أجرته معه صحيفة.
وأثناء السجن توفيت والدته ولم يستطع أن يحضر مراسيم الجنازة والدفن!! وحين تم الإفراج عنه قبل سقوط النظام الجائر، جرده ابن علي من حقوقه المدنية ومنعه من السفر والتدريس، ثم أخذ عليه التعهدات اللازمة بالتوقف عن ممارسة أنشطة فكرية أو التفوه بأية آراء، وختمت السلطات على بطاقته بعدم السماح له بممارسة عمل حكومي أو أهلي، كما قام النظام بمصادرة أية تبرعات ومساعدات مالية تصله من الأصدقاء أو الجمعيات العلمية التي كان مساهما وفاعلا فيها، مما أدى لتردي صحته بشكل ملحوظ.
وعندما لم يجد وسيلة لكسب الرزق اضطر للبيع في سوق الخضار عشر سنوات كأي شخص لا يملك شهادة دراسية أو خبرات عملية ! وتكونت لديه صداقات مع زملاء المهنة البسيطة وتعايش مع وضعه ولم يتبرم أو يتضجر.
وبرغم أنه يعد من الطاقات البشرية الفذة النادرة التي ينبغي أن تستفيد منه بلاده ويوضع في المكانة التي تليق به؛ إلا أن الحكومة لم تستطع احتواء أفكاره والتعامل معها بما يستحقه، إذا علمنا أن لديه شهادتي دكتوراه الأولى بالفيزياء والأخرى بالرياضيات! ولأن الله عادل وليس بظلام للعبيد، وينصر المظلوم ولو بعد حين؛ فقد كانت المفاجأة السارة للشعب التونسي هي اختيار بائع الخضار والسجين السابق الدكتور المنصف بن سالم ضمن تشكيلة الحكومة الجديدة وزيرا للتعليم العالي.
فانتصرت الضحية وانهزم الجلاد! ولأنه جرب الفقر والحاجة والظلم والاعتداء والقمع، وعانى محنة المستضعفين وأزمة المعرفة، فقد اتسمت حياة الرجل بالبساطة، حيث حضر للمجلس الرئاسي بسيارته المتهالكة التي يستخدمها لنقل الخضار.
وبُعيد تقلده الوزارة نجح بالتعامل سلميا مع طلاب الجامعة باحتوائهم أثناء اعتصامهم الأخير الذي شغل الرأي العام مدة طويلة.
ويرى أن الطالب الجامعي يجب أن يكشف عن هويته وتطلعاته وطموحاته، ويعطي للإدارة الحق في تسيير أمورها حتى تجد حلا يتوافق مع كل الأطراف في تطبيق هذه القاعدة، كما يسعى لاستعادة الجامعة لدورها برسم الخطوط العريضة في بناء تونس المستقبل، دولة المؤسسات والقانون والعدالة.
وهي رسالة للشباب المحبط من ذوي الشهادات العلمية ممن لم يحصلوا على عمل مناسب، ودعوة لهم بأهمية صدق النوايا وإصلاح النفوس والنأي بها عن التذمر والشكوى والانتقام، والتمسك بالصبر والالتزام بالمبادئ، والبحث عن عمل شريف ولو كان بيع الخضار، وسيعوضهم الله خيرا ولن يضيع عملهم أبداَ.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny