حتى قبل ثلاث سنوات، لم يدر بخلد أحد أن يتمكن رجل أسود من الوصول إلى سدة الرئاسة الأمريكية، وذلك لاعتبارات عدة أهمها أن الرجل الأسود لم يتمكن من الإدلاء بصوته، ناهيك عن الترشح والفوز إلا في عام 1968. قبل ذلك، كان السود يعيشون خارج إطار الحياة الأمريكية، في الوظائف الأسوأ والأقل دخلا، ولا يشاركون في الحياة السياسية، وكانت تحكمهم قوانين العنصرية التي تفصل بين البيض والسود في كل مناحي الحياة، فالمدارس وأماكن العمل، وحتى دورات المياه العمومية كانت مفصولة، فما للبيض للبيض، ويعاقب الأسود الذي يخالف هذه القوانين البغيضة. كل هذا انتهى عندما دخلت أمريكا في حرب مع نفسها، وتمكنت عجوز سوداء - في الثمانين من عمرها يقال لها روزا بارك وليس لديها ما تخسره - من إشعال الشرارة التي تولى كبر زمامها المناضل الأسود مارتن لوثر كنج، ولم تنتهِ إلا بإقرار الحقوق المدنية والمساواة بين الجميع.
كان أوباما حينها طفلا أسود يعيش مع والدته المطلقة في إندونيسيا، غير مدرك لما تخبئه الأيام، وقد تمكن من مواصلة دراسته، والتميز فيها حتى حصل على أعلى الشهادات، وحينها كانت الظروف مهيأة له ليمارس العمل السياسي، وقد خدمه دهاؤه وحظه الذي لا ينكره أحد في الفوز بأحد مقعدي ولاية الينويز في مجلس الشيوخ، ولهذا حكاية يطول الحديث عنها. لم يتوقف طموح أوباما عند هذا الحد، فقد اعتقد أن تأهيله العلمي وفصاحته اللغوية الجبارة والكاريزما الأخاذة التي يتمتع بها كفيلة بأن تكسر القواعد السياسية العتيقة، وتدخله التاريخ من أوسع أبوابه، وهو ما تم في نهاية الأمر.
قبل أوباما، حاول بعض السود الترشح لرئاسة أمريكا، ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا من أول المشوار، وكان أشهرهم داعية الحقوق المدنية جيسي جاكسون، والذي لم يأخذه الأمريكيون على مأخذ الجد، وأذكر أنه أثناء ترشحه في الثمانينيات كان محل تندر، فقد ذهب مرة إلى أحد المطاعم، وسأل عجوزا بيضاء عما إذا كانت ستصوت له؟، فسألته من أنت؟، وعندما قال لها: إنه جيسي جاكسون المرشح لرئاسة أمريكا، قالت بسخرية « هذا شيء طيب»، ثم واصلت تناول طعامها وسط قهقهات الحاضرين!.
كان مما ساعد أوباما على الفوز في 2008 ضعف خصومه الديمقراطيين، عدا هيلاري كلينتون، والتي على الرغم من مؤهلاتها العالية وذكائها، إلا أنها شخصية غير محببة إلى النفس الأمريكية لاعتبارات كثيرة، ثم خدمه الحظ ثانية بكبر سن منافسه الجمهوري جون مكين، والذي ارتكب غلطة تاريخية باختيار حاكمة ولاية ألاسكا سارة بالين كنائبة له، وهي الغلطة التي كلفته رئاسة أمريكا، فقد اتضح أن معرفة السيدة بالين بالسياسة تماثل معرفة شعبان عبدالرحيم بتقنية النانو!، فقد قالت مرة «إنها تعرف كثيرا عن السياسة الروسية لأنها تستطيع أن ترى روسيا من شرفة منزلها في ولاية ألاسكا»، وهذه لعمري باقعة دمرت حلم السيد مكين إلى الأبد.
وختاما، يبدو أن الحظ لا زال يلازم الرئيس أوباما، فلم يتقدم أحد لمنافسته على الترشح عن الحزب الديمقراطي للانتخابات القادمة حتى الآن، إضافة إلى ضعف منافسيه الجمهوريين بلا استثناء، وهذا هو موضوع المقال القادم.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2