من المفردات الطريفة التي ظهرت في عالم (الإنترنت)، وصف موقع البحث الشهير (قوقل) بـ(الشيخ)، فما أن تحتار في خبر، أو تبحث عن معلومة، أو تتأكد من رقم، أو تريد إضافة معرفية، إلا نصحوك أن تسأل الشيخ قوقل،
فهو موجود على مدار الساعة، ولا يتردد في إجابة سؤالك مهما كانت درجة صعوبته، كونه يفتي بكل شيء ولا يرد سائلاً، ولا يؤمن بقاعدة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (من قال لا أدري فقد أفتى)، لأن (لا أدري) في قاموسه التقني ليست نصف العلم كما وصفها الإمام الشعبي رحمه الله، إنما العيب حسب الشيخ قوقل أن تقول (لا أدري) في زمن ثورة المعلومات وتقنية الاتصالات وتحول العالم إلى قرية صغيرة ُتختزل في جهاز ذكي في يد طفل غبي.
الجميل أن الذين وصفوا قوقل بالشيخ كأنما استبقوا الزمن في تأكيد مسألة فطرية وهي أن المخلوقات والأشياء لها عمر ثم تشيخ، والمشيخة تبدو قوية، لكنها تتحول إلى شيخوخة، وهي علامة ضعف ومؤشر لثقب الذاكرة، فيبدأ النسيان يعطب الملفات الحاوية للمعلومات، وهذا ما يجعل الشيخ قوقل مُعرّض لعطب الفكر ونسيان المعلومة، فضلاً عن أنه مجرد (ناقل) معلومة وليس محقق فيها. فالمعلومات الصحيحة تؤخذ من مصادر المعرفة الحقيقية التي من بينها الكتب والمراجع. أما الشيخ قوقل فمعلوماته نقلية، يختلط فيها الرأي بالخبر والمعلومة بالكذبة والحوار بالجدل باستثناء الكتاب الإلكتروني، ما يعني أن كثيراً من المعلومات والمعارف والأخبار مرتبطة بشكل مباشر بالخلفية الثقافية للأشخاص، الذين حرروها وتم تداولها على خطوط التقنية الإلكترونية. وهنا لا يختلف الحال عن الكتابات في موقع (تويتر)، التي يغرد بها أشخاص تتباين معارفهم الإنسانية وخبراتهم الحياتية وخلفياتهم الثقافية، سواءً في نقل الأخبار، أو إيراد المعلومات أو التعليق على الأحداث، أو حتى إجراء الحوارات القصيرة بين بعضهم البعض. وبالتالي تتحول تلك الكتابات (التغريدات) إلى معلومات عامة وأخبار يتناقلها الناس ويبحث عنها المتصفحون.
قد يقول قائل إن (قوقل) محرك بحث، أما (تويتر) فهو موقع تواصل اجتماعي، وهذا صحيح وأتفق معه، خاصةً أنك مع الأول تقرأ النص، بينما في الآخر أنت تكتب النص، لكن العكس أيضاً صحيح، لأن النص في (قوقل) وإن كنت تقرؤه، فقد كتبه غيرك، وفي (تويتر) وإن كنت كاتبه فسوف يقرأه غيرك. ما أريد الوصول إليه أن كل المواقع الإلكترونية مهما اختلفت طبيعتها أو طريقة استخدامها، بين محرك بحث، أو مدونة شخصية، أو موقع تواصل أو غيرها، هي في الأساس ترتكز على فكرة (تسويق المعلومة) عند العامة، ومحاولة (التحكم بالمعرفة) لدى النخبة ومن ثم توجيه الرأي العام نحو فكرة أو هدف معين، وبالتالي انعكاس ذلك وتأثيره سواءً الإيجابي أو السلبي على حياتنا اليومية في كل مجالاتها. لكن السؤال الأهم: هل نحن في زمن (المعلومة) أم في عصر (التقنية)؟ يا ترى هل يستطيع الشيخ قوقل وكل آل تويتر الإجابة المنطقية؟.
kanaan999@hotmail.comتويتر @moh_alkanaan