لفت نظري حركة نشطة لصحة البيئة التابعة لأمانة مدينة الرياض، فقد استطاعت في فترة وجيزة إخراج محلات بيع منتجات التبغ المصنوع محلياً إلى خارج المدينة، وقد يستغرب البعض وجود صناعة وطنية للتبغ، لكن الحقيقة تقول إنه يعتبر أحد المنتوجات التي لها سوق استهلاكية واسعة، لكنها تختلف عن منتجات التبغ الغربية التي تُباع في علب صغيرة أنيقة، وتظهر في إعلانات دعائية في المجلات وبعض القنوات الغربية، وذلك لأن المنتج المحلي للتبغ يُباع في «سطل»، وليس في علب فاخرة، والسطل هو الدلو أو ذلك الإناء المجوف الذي يُسقى فيه الماء قديماً، وعادة ما يكون مصنوع من البلاستيك، وجاءت منه صفة مسطول وشتيمة يا سطل، والجدير بالذكر أن السطل يمثل أحد أبرز منتجات البلاستيك السعودية، وقد لا أخفي أن شعرت بالغيرة الوطنية على تطبيقات شروط صحة البيئة ضد المنتج السعودي أو «سطل الجراك والمعسل» المحلي، بينما لم يشمل المنع التبغ الغربي ومنتجاته الفاخرة كالسجائر والسيجار، بل أحسست أنها مؤامرة حاكها وكلاء السجائر والسيجار ضد المنتج المحلي.
لا يختلف اثنان على الأضرار الكبيرة للدخان بمختلف أنواعه، وعلى ارتباطه بأمراض السرطان والرئة وشرايين القلب، ولا يوجد استثناء في تلك المعادلة، فمنتجات السجائر تأتي في المرتبة الأولى في أضرارها، وصحة الجسد تتأثر بها كما تتأثر بتبغ الجراك والمعسل والشمة، وكما تعاني أيضاً صحة مدينة الرياض على نطاق أوسع من تلوث بيئي غير مسبوق، وكنت أتمنى أن يشمل المنع أيضاً مصانع الجبس والأسمنت في جنوب المدينة، الذي أصاب دخانها رئة مدينة الرياض بالتلوث الخطير، الذي لا يمكن مقارنة أخطاره بأخطار سطول المعسل، ومع ذلك لا زالت مداخنها تنفث غبارها السام في أجواء المدينة، لتصل سمومها عبر الهواء إلى صدور ساكني المدينة بمختلف أعمارهم، ولأسباب لا أفهمها يتم استثناؤهم دائماً من شروط صحة البيئة بينما تُطارد سطول الجراك المحلي.
كذلك لا يمكن بأي حال تجاوز قضية التلوث البيئي الخطير الذي مصدره مياه الحائر أو مياه الصرف الصحي، الذي تملأ روائحها الكريهة أجواء جنوب المدينة، وتدل تلك الرائحة النتنة على أن تلك المياه لم تتم معالجتها بالصورة الصحيحة، بل تم التخلص منها بصورة غير صحية في وادي الحاير، ومع ذلك لا يتم التعامل مع تلك المخالفة البيئية الخطيرة من خلال شروط الصحة البيئية، وتُركت لتكون مصدراً للأمراض والأوبئة الخطيرة، وبرغم من تأسيس شركة المياه الوطنية إلا أن أزمة معالجة تلك المياه الملوثة لم تصل بعد إلى المقاييس الدولية، ولم يتم استثمار المياه الوفيرة في زيادة الرقعة الخضراء حول المدينة..
أيضاً يلفت انتباهي زيادة كميات مخلفات البناء حول مخارج المدينة وفي بعض الأودية، وبرغم جهود الأمانة إلا أنها لا تزال تشوه المنظر العام للمدينة العصرية، فأكوام مخلفات الأسمنت والبلاستيك والحديد تزداد في بعض المناطق، وتحتاج إلى اهتمام صحة البيئة في الأمانة، التي أدرك حجم المهمات الملقاة عليها، لكني واثق أنهم يستطيعون إكمال مهمتهم في جعل مدينة الرياض متوافقة مع شروط صحة البيئة، وكلي ثقة أن الدور سيأتي قريباً على منع بيع السجائر داخل المدينة، وعلى نقل مصانع الأسمنت والجبس إلى خارج المدينة، وعلى فرض مواصفات صحية لمعالجة مياه الصرف الصحي في المدينة واستغلالها في تحسين البيئة في الرياض، كما أنني متيقن أنهم سيجعلون المدينة والأودية نظيفة من مخلفات البناء، تماماً مثلما نجحوا في تنظيفها من محلات بيع سطول الجراك والمعسل المحلية والله على ما أقول شهيد.