أن تؤمن بأن الله تعالى خلق الخلق وقسم أرزاقهم، فإن هذا المعتقد لا يخذلك أن تتعرف الفقراء، وذوي الحاجة فتقيل عثراتهم.. بل إن إيمانك يدعوك للتكافل مع الفقير، وذي الحاجة..
والله تعالى خلق الأرض وقدر فيها الأرزاق، ومنح الإنسان العقل، وفهَّم مداركه، وأعانه على استخراج خيراتها..
لكن الإنسان يطغى بغرور ماء الحياة الساري في عروقه، المحرض لشهواته من الاقتناء، والاغتناء،..
ويكبر هذا ليس عند الأفراد بل الرعاة..
فحيث تزداد قدرات الدول على التصنيع، وإنجاز ما يساعدها على الاقتناء من ذخائرها، والاغتناء بمواردها، فإن فقراء العالم يتزايدون، وتتزايد آلات قتلهم، وسحقهم، وإبادتهم تصنيعا، وتنويعا..
في كل يوم، بل في كل ثانية في عمر ساعات اليوم، نقرأ ونشاهد مآسي الفقر..
أمس الأول تصدرت حادثة تخدير «خالد» لزوجته «هناء» بعض الصحف المصرية، وقرأتها في صحيفة الرأي، حين وضع لها في كوب عصير البرتقال وهو يتحدث إليها مخدرا نامت في إثره.. نقلها من بعد إلى مستشفى قليوب، وسرق كليتها، مقابل اثنا عشر ألف جنيه مصري..!
لتستيقظ هناء على جرح فيها، ما إن كشفت عنه الجهات التي لجأت إليها، إلا تيقنت بخلوها من إحدى كليتيها..
«الحاجة أم الاختراع»، وأشد أنواع الاختراع، ما يقع فيه من إيمانه هش، وأولئك الأغلبية في بلدان المسلمين، لأن هناك تنشئة تفرط في ترسية القناعة بما رزق الله الفرد من خلقه، وما يقابل الشح في المال من عظيم النوال..
غير أن من يتابع مصادر غنى دول العالم، ويقارن تهافتها على اقتناء السلاح، بفقر مواطنيها..
يتساءل عن قيمة، ومبدأ التكافل، والرعاية، ومدى التقاعس عن العمل على سد جوع الفقير، وحمايته من موبقات الحاجة، وضعف القدرة على الاحتمال.. ومن ثم ابتكار ما يسد حاجته، وإن سرق أو قتل، أو تحايل، أو أوبق..
وتلك المشاهد في السينما العربية، والعالمية التي تكشف عن ألوف الجرائم التي دافعها الفقر، والحاجة لسد العوز، بل تلك الأمراض التي تفشت بسبب الفقر والعوز في النفوس، والعقول، والسلوك العام والفردي..
ما ينمي أمنية أن يشعر الإنسان بالإنسان، ليس على مستوى الأفراد، بل الحكومات.. في مناطق العالم بحيث يُقضى على الفقر في درجته الصفر، وما فوق الحاجة.. على أقل تقدير..