عندما يطالب المفتي العام للمملكة، رئيس هيئة كبار العلماء، سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بـ »استخلاص الدروس والعبر مما حدث حولنا من خراب، ودمار، وفُرْقة، بسبب إثارة الفتن، الطائفية» فإن تلك المطالبة تشمل كل متطرف، بحيث لا تعني إدانة طرف دون آخر؛ فالهدف واحد، والخطر متشابه.
إذ إن التهييج الطائفي له آثاره الحالكة، وعواقبه الوخيمة، ونتائجه المقيتة، باعتبار أن توظيف الورقة الطائفية يندرج في إطار المخطط المناهض لنهضة الأمة الإسلامية، الذي ترعاه قوى الاستعمار الجديد في المنطقة.
لم يألُ العلماء المخلصون من جهد في سبيل التأكيد على أساس المشاركة، والمواطنة، وإبراز القواسم المشتركة، كالتآخي، والانسجام الوحدوي، وذم تقسيم المجتمع الواحد، وتعريض الانسجام الاجتماعي إلى شروخ، وذلك من خلال رفض تكريس الولاء الطائفي، بديلاً عن الهوية الوطنية، والمواطنة، ونبذ التعصب، والانغلاق لإفشال مخططات قوى الإرهاب الطائفية، التي يجب أن يترفع عنها كل عاقل، يضع مصالح أمته العليا فوق كل الاعتبارات، وهو ما لا ينسجم مع وجود مصطلحات متخلفة، كالطائفية، والدعوة إليها.
منذ أن نجحت الثورة الخمينية وإيران تعلن الحرب الطائفية من أجل توظيف تلك الورقة لمصالحها الخاصة، وأهدافها السياسية الضيقة عن طريق التوترات الطائفية، ومفاقمة النعرات، التي تتنافى مع المبادئ الإسلامية، والأعراف، والقوانين الدولية، ومبادئ حسن الجوار.وتأمل على سبيل المثال: كيف ازدادت هذه الحرب شراسة في العراق بعد احتلاله؟
واستغلت ذلك عن طريق النفس الطائفي، وأطلت الفتنة الطائفية برأسها.
وفرضت شريحة من المجتمع رؤيتها السياسية، دون أن يتحقق لتلك المطالب إجماع وطني، فزادت الفرقة، وترسخ أسباب الضعف بين مكونات هذا الشعب المنكوب.
بل تجسدت الاغتيالات على أرض الواقع باعتبار هوية المذهب، وأغرق حتى اليوم بالدماء، والدموع، والضحايا البريئة.
وقسمت المدن مع الأسف إلى طوائف، بحيث أصبح الوضع من الصعب إرجاعه إلى الدائرة الأولى، بعد أن استفحلت ظاهرة الاستقطاب الطائفي على حاضر العراق ومستقبله.وبالتالي سهلت السيطرة عليه من قبل قوى خارجية، واستطاعت إيجاد موطئ قدم لها فيه؛ من أجل استنزاف ثرواته وخيراته.
إن العمل على ضرورة التفريق بين الطائفية كـ»وجود سياسي»، والطائفية كـ»وجود اجتماعي» مطلب مهم.
فالوعي السياسي هو أعلى كعباً، وأرفع مقاماً من الانجرار نحو توظيف الطائفية لصالح أجندات سياسية.
بل إن واقع الأمة الإسلامية يفرض عليها مواجهة استحقاقات قادمة، من أهمها: النهوض بالوطن والمواطن.
وما نحمله من قيم أصيلة، وجذور قوية، سينتصر في نهاية المطاف، وستخيب كل المحاولات الخبيثة لزرع الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، إذا توافر شرطان، هما: صدق الإرادة، وقوة العزيمة.
خلاصة القول: إن الطائفية بكل صورها لا تنطلق من أحكام متسرعة، أو نظرة مغالية.فما يحدث اليوم على أرض الواقع يؤكد تدخل قوى خارجية، واللعب بورقة الطائفية المقيتة.
لذا فإن الدعوة إلى ضبط النفس، ونبذ التعصب، وتحمل المسؤولية لمواجهة الأخطار، هو قدرنا في تحرير الأمة الإسلامية من الطائفية، والنهوض بها في اتجاه واحد، دون أن نتماشى مع الواقع المرير، أو تستسلم للظرف المقيت.
drsasq@gmail.com