عندما تتأمل الناس من حولك، سواء الناجحين أو الفاشلين أو مَنْ هم بينَ بينْ، تنتهي إلى نتيجة تعرفها سلفاً لكنك تنساها في غمرة مشاغل الحياة وهي أن المدى الزمني المتاح لأي إنسان لكي ينجز أعماله على امتداد حياته هو أربعٌ وعشرون ساعة في اليوم لا أكثر.. يتساوى في ذلك من يقوم بأبسط الوظائف ومن يقوم بأهمها. وهنا لا تملك إلا أن تتساءل: لماذا هناك أشخاص منجزون وآخرون يطوون هذه الساعات دون إنجاز؟ لماذا تفلت هذه الساعات من أيدي بعضهم دون ثمرة بينما هناك آخرون ينجزون الكثير من الأعمال في نفس المدى الزمني المحدود؟
من المؤكد أن قدرات الناس ومواهبهم متفاوتة.. لكنَّ ذلك ليس كل القصة، وقد قيل منذ القدم أن «المثابرة» قد تعدل أو تفوق «الذكاء». صحيح هناك موهوبون وأذكياء وذوو قدرات عالية لكنهم قد لا يستفيدون من هذه المنح الإلهية ولا يستثمرونها بشكل صحيح، ولذلك تتعاقب الأيام ويمضي الوقت وهم جامدون لا يتحركون، بينما هناك من هم أقل منهم موهبة وذكاء وقدرة يحققون إنجازات تفوق إنجازات هؤلاء الموهوبين.
وحين تلتقي ببعض الأشخاص غير المنجزين تجد أن الكثير منهم يشكو من ضيق الوقت وكثرة المشاغل فتستغرب أين تذهب هذه الساعات الأربع والعشرون لأنك لا ترى إنجازاً من أي نوع.. فضلاً عن أن هؤلاء الأشخاص عادة لا يقرأون ولا يمارسون الرياضة التي أصبحت ضرورة صحية وليست ترفاً أو تسلية.. وفي كل مرة تسمع نفس العذر وهو ضيق الوقت!
هذه مجرد تبريرات قد يُقنع بها الإنسان نفسه ويصدق أوهامه وهي تدخل تحت ما يسمى بـ»الخداع النفسي». لكن الحقيقة تكمن في فشل الإنسان في «إدارة الوقت» وعدم القدرة على ترتيب الأولويات، ينطبق ذلك على الأفراد وينطبق على المجتمعات أيضا.. ففي المجتمعات المتخلفة غير المنجزة لا قيمة كبيرة للوقت بينما تتعامل المجتمعات المتقدمة مع الوقت بوصفه ثروة يتوجب استثمارها على أفضل وجه.
ما الذي يجعل الرئيس أوباما، على سبيل المثال، يجد الوقت الكافي لممارسة الرياضة بشكل يومي رغم مشاغله الكثيرة في حين يبرر بعضنا عدم ممارسة الرياضة بعدم وجود ما يكفي من الوقت؟
ننسى أحياناً القاعدة المعروفة، قاعدة 20/ 80، التي تسمى أيضا «مبدأ باريتو» التي صاغها الاقتصادي الإيطالي الشهير «باريتو» والتي تفسر إهدارنا لأوقاتنا الثمينة، فنحن نهدر ثمانين بالمائة من وقتنا للحصول على عشرين بالمائة فقط من النتائج والأهداف التي نسعى إليها بينما نحصل على ثمانين بالمائة من النتائج من خلال استخدام 20 بالمائة فقط من وقتنا.
إن القاعدة الأولى للإنجاز تتمثل في الإدارة الكفؤة للوقت.. ويجب أن نتذكر دائماً أن جميع المنجزين في تاريخ البشرية كانوا مثلنا لم يملكوا في اليوم الواحد سوى أربع وعشرين ساعة.. وقد ثبت أن الكثير من هؤلاء المنجزين لم يكونوا عباقرة وإنما كانوا مثابرين فقط.. وفي كل الأحوال ما أجمل أن يجمع الإنسان بين الحسنيين: المثابرة والذكاء.
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض