بخروج الجيش السوري النظامي من منطقة الزبداني، وهي التي تتماس مع دمشق وتُعَدُّ خاصرتها الغربية، وتسليم المدينة إلى المواطنين ليتوقف القتل ويرحل عنها الشبيحة وأجهزة القمع، تكون الثورة السورية قد دخلت مرحلة جديدة. فبعد نزع الخوف من صدور السوريين، وخروجهم إلى الشوارع والميادين للتظاهر والمطالبة بتغيير النظام، وصل الأمر إلى إخراج القوات المسلحة، وأجهزة القمع والجماعات المسلحة من المدن. وهذا تطور إيجابي يعيد للثورة السورية سلميتها. وإذا كان الجيش السوري الحر قد ساهم في إجبار الجيش المرتبط بالنظام على ترك المدينة، فذلك وكما أوضح العديد من الناشطين السياسيين الواعين فإنَّه استجابة لطلب الأهالي بحمايتهم من بطش قوات الجيش الذي ترك الجبهات والحدود ليفتك بالمواطنين. ولأنَّ مكونات الجيش هم من أبناء الشعب، مجندين ومتطوعين وحتى ضباط نظاميين، فقد انحازوا للشعب. وهذا ما شكَّل عبئاً على المؤسسة العسكرية التي سقطتْ في دائرة إملاءات النظام ووجهتْ أسلحتَها إلى الشعب، مما أحدث شرخاً أخلاقياً لدى أفراد هذه المؤسسة التي أصبحت تحت ضغط مزدوج، ضغط الإنهاك، إذ تواجه شعبها منذ أحد عشر شهراً من غير قناعات، وتُجْبَر على القيام بعمل ليس من مهامها، وهذا هو الضغط الثاني. لذلك كان الخروج من الزبداني جاء دون عراقيل ولا حتى رغبة من السلطة المركزية، بل هو نتيجة طبيعية لوضع غير طبيعي. ولهذا فإنَّ هذا الخروج سيكون مقدمة لانسحابات أخرى ومن مدن سورية تعاني هي الأخرى من وجود قوات الجيش التي لم يعد أحد يرحب بها. ومثلما بدأت الثورة السلمية بتظاهرات في محافظة درعا ثم انتشرت إلى باقي المدن السورية، فإنَّ بداية إخلاء المدن السورية من الوجود العسكري التي بدأت في الزبداني لا بد وأن تُنَفَّذ في مدن أخرى. ولن يكون ذلك اليوم ببعيد حينما نشهد خروجاً للقوات العسكرية وأجهزة القمع من مدن حمص ودير الزور ودرعا وباقي المدن السورية، تحقيقاً لرغبة ونضال أهالي تلك المدن، وليس استجابة لاجتماعات ولقاءات لجان ومراقبي جامعة الدول العربية.