من يزور معظم المدن السعودية الكبرى يلاحظ اختناقات مرورية في الشرايين الرئيسية فيها وقد يظن البعض أن السبب في ذلك هو الإدارة المرورية للمدن. والواقع أن السبب الرئيس في ذلك هو أنظمة التخطيط العمراني التي بدأت تنظم الارتفاعات في المدن على حسب عروض الشوارع وهو أمر مخالف تماماً لما تعلمناه من أساسيات تخطيط المدن.
فمن يزور مدينة جدة أو الرياض أو غيرها من المدن الكبرى يرى أن الارتفاعات القصوى للمدن تم تحديدها على الشرايين الرئيسية التي صممت أساسا لنقل الحركة من جزء إلى آخر في المدينة. فالتخطيط ضعف كثيراً في المدن السعودية وانتهى ما يسمى بتحديد المناطق Zoning بعد صدور أنظمة زيادة الارتفاعات وأنظمة تجزئة الأراضي والتي لم تفرق بين مناطق المدينة المختلفة سواء المخدومة جيداً بجميع الخدمات أو تلك التي تفتقر إلى العديد من الخدمات. فالأنظمة على سبيل المثال سمحت بزيادة الأدوار على الشوارع التجارية سواء كانت تلك الشوارع في أحياء منخفضة الكثافة ولها طبيعتها الخاصة (مثل حي الخزامى في شمال غرب مدينة الرياض على سبيل المثال) أو في أحياء ذات كثافات عالية مثل الأجزاء الواقعة في حي العليا وغيرها مما يقع ضمن تلك المناطق.
لذا أصبحت الحركة المرورية في المدن السعودية متعبة ومزدحمة كثيراً على الرغم من أن عروض الشوارع لدينا كبيرة نسبياً مقارنة بالعديد من مدن العالم. فمن يقود سيارته في معظم الطرق التجارية المتكررة في مدننا ليس له من تلك الطرق إلا مسار أو اثنين لأن كل ما على يمينه هو مواقف عمودية لمبان ذات عدة طوابق مما يجعل القيادة في تلك الطرق أقرب ما تكون لقيادة داخل مواقف... والأمثلة كثيرة ومتكررة. إن اجتماع زيادة ارتفاعات المباني على الشرايين الرئيسية وزيادة عدد الطوابق على الشوارع التجارية سيجعل مدننا تسير نحو نماذج مدن العالم الثالث والتي تدهورت اقتصادياً بسبب عدم كفاءتها عمرانياً وأحد أهم أسباب عدم الكفاءة العمرانية هو تردي الحركة المرورية بسبب سوء توزيع استخدامات الأراضي والنشاطات التجارية على المحاور والشرايين الرئيسية والفرعية.
