لا زلت أذكر قصة طريفة رواها لي أحد كبار السن تقول إن رجلا جسيما مهيبا حضر إلى حلقة أحد المشائخ الكبار في أحد مساجد الرياض، فانقبض الحاضرون من فرط هيبته. انتظر الشيخ ساعة أو نحوها، ثم التفت إلى القادم الجديد، وسأله «من ربك؟»، فقال «الله»، ثم قال له «من نبيك»؟، فقال «نوح»، ثم قال الشيخ وما هو أكبر مخلوقات الله؟، فقال الرجل وبلا تردد «الريل»، فما كان من الشيخ إلا أن التفت إلى الجالسين بحلقته ورمقهم بابتسامة لها ألف معنى، وكأنه يقول لهم: «إنه مثل صاحب أبي حنيفة».
تحضرني هذه القصة كلما دخلت عالم تويتر العجيب، والذي قرب البعيد، وكشف المستور، واطاح بنخب كنا نعدها شيئا مذكورا ، وصنع نجوما جددا سيكون لهم شنآن في هذا المحيط المتلاطم. «الصب تفضحه عيونه»، و»الجهل يفضحه تويتر»، والنجوم التي أسقطها تويتر لم تستطع أي وسيلة أخرى أن تفعلها من قبل، فميزة هذا المارد أنه يخرج المكنون دون رقابة، ويفضح المستور فهو مثل البث الحي المباشر، ويسبق السيف فيه العدل دوما، فكم من «تغريدة» هوت بصاحبها إلى أسفل السافلين، وأخرى صنعت نجما جديدا تتسابق وسائل الإعلام التقليدية على استقطابها، والظفر بها.
وفي لجة هذا البحر الهادر، تكون موعودا بجماهيرية لم تأخذها في الحسبان، أو هجمة شرسة لم تتوقعها، ولا تدري من هو خصمك، فمرة هي المرأة، التي أثبت تويتر أنها كانت في سجن كبير أخرجها منه هذا الشيطان رغما عن أنف كل التقاليد والحواجز، فهي تصارعك وتحاجك وتغلبك في كثير من الأحيان، وهي قابعة في خدرها في مدينة كبيرة، أو قرية نائية!. ومرة يكون خصمك تيار فكري بكامله، يتنادى أهله فما تدري إلا وقد تمت «هشتقتك»، وما أدراك ما الهشتقة، إنهم قوم مثل جوج وماجوج يساند بعضهم بعضا، فلا تبقي هجمتهم ولا تذر، فتراك قابعا مذعورا يخيل إليك أنهم على وشك اقتحام منزلك بنصال وسهام وخناجر، وتتمنى لو لم تعرف عن هذا العالم إلا اسمه، ولكن هيهات.
تكتب «تغريدة» وأنت في حالة استرخاء تام، ومن باب «التميلح» أحيانا، فما تدري إلا وقد تناقلتها الركبان مدحا وقدحا، ثم تقرأها في كل مكان، وتسمع عنها من كل أحد، وقد تنقلها وكالات الأنباء العالمية، وتعلق عليها، وأنت في كل هذا فاغرا فاك لا تصدق ما يجري أمام ناظريك في مثل لمح البصر. كل هذا وتويتر في بداياته، ولعل القادم سيكون أكبر وأشد وأنكى، ولكن المؤكد أن قواعد لعبة «النجومية» قد تغيرت إلى الأبد، فمن كان نجما يستره الصمت والتصفيق والإعلام التقليدي أصبح مثار التهكم والسخرية، ومن كان مجهولا محبطا أصبح نجما يشار له بالبنان، ويتسابق الناس إلى «مسامراته التويترية»، ويذكر بعضهم بعضا بما قال، وبما يمكن أن يقول، فسبحان مغير الأحوال في كل حين.
فاصلة:
«شكرا تويتر..فقد فضحت «النجوم المزيفة..وصنعت النجوم الحقيقية».
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر alfarraj2@