|
عرفت هذا الرسام الموهوب منذ الطفولة.. وكان أكبر مني بسنين قليلة، وقد تفتحت مواهبه في الرسم على يد مدرس مصري في بلدة (مراة) الوادعة في إقليم الوشم بالمنطقة الوسطى وقد أنجبت هذه القرية القديمة شعراء وأدباء في الماضي والحاضر...
وكانت أكثر قرى الوشم عطاءً في هذا الصدد، وبالتالي إلهاماً.
ومنذ المدرسة الابتدائية عرف الجميع بأن السليم سوف يصبح رساماً مشهوراً وبعد هجرتي للطائف انقطعت صلتي به.. لكننا كنا نلتقي أحياناً في العطل والزيارات وكنا أكثر من أصدقاء فهناك رابطة نسب ورحم تجمعناً.
استوطن السليم الرياض وصارت المسافة بيننا طويلة واللقاءات قليلة، واشتغل بتدريس التربية الفنية في مدارسها وعمل في التلفزيون فترة قصيرة، وحصل على بعثة لإيطاليا فدرس الفن في منبعه هناك.. وعاش سنوات في مدينة من أجمل المدن التي رأيتها في أوروبا وهي «فلورنسا» حيث عاش عباقرة الفن في عصر النهضة كأنجلو ودافنشي وغيرهما مما جعل هذا الجو الفني بجانب الإعداد الدراسي يطور مواهبه السليم ويفتحها.
وبعد سنوات رأيته في الرياض وقد تفرغ للفن التشكيلي وأسس صالة خاصة به.. وصار يكتب في الصحف والمجلات المحلية معتمراً عقالاً أبيض- بخلاف الناس- ولحية طويلة! وذكره ونشاطه يملأ الصحف المحلية، فقد كان له تلاميذ ومعجبون كثير.
حضرت له معرضاً في جدة كانت لوحاته فيه رمزية وكبيرة الحجم وغالية جداً، ولما سألته عن ذلك قال: إنها المرحلة الفنية التي أمر بها وهي التجريدية، ولم أفهم شيئاً من لوحاته؟! وكان سعر الواحدة يتراوح بين 80،000 - 100،000 ريال سعودي وهذا مبلغ ضخم لا يستطيعه محبو الفنون أو المعجب بالرسام ولكن يبدو لي أنه كان في ضائقة مالية عنيفة!
وجئت من الطائف في عام 1390هـ - 1970م لحضور معرضه الشخصي الأول الذي أقامه في فندق «جدة بالاس» وافتتحه مدير التعليم بجدة - آنذاك- الأستاذ الكاتب: عبدالله بوقس -رحمه الله- الذي أدهشني بشخصيته اللطيفة وفصاحته اللغوية منذ مقابلتي معه.
وفي ذلك المعرض الذي حضره جمهور قليل ألقيت قصيدة ترحيبية بعنوان «تحية الفنان» نشرت في ديواني «قصائد مطوية» فيما بعد، ولم يقم -رحمه الله- بإهدائي أي لوحة له في حياته أو حتى رسمي (بورتريه) مع أننا كنا أصدقاء وأقارب!
بعد ذلك زارنا في الطائف زيارات خاطفة ومرة عرض علي كما عرض على غيري مشروع تأسيس «دار الفن» الذي تبناه في الرياض، ولم أشترك في المشروع، وسمعت أنه توسع فيه.. وأنشأ ورشة كبيرة للنحت وللرسم وقاعة عرض كبرى.. وزرت مشروعه عند مروري بالرياض فرأيت أن الرسام الكبير قد أوشك أن يصبح تاجراً!
ولكن الله لا يجمع عادة بين الموهبة الخلاقة والغنى المادي إلا في النادر ولحكمة يعلمها! كما قال الشاعر:
فالناس هذا حظه علم وذا مال وذاك مكارم الأخلاق!
وهكذا فقد فشل مشروع فناننا، وأحبطه بعض الأشخاص والجهات الرسمية، ولما ضاقت عليه السبل أخذ يشكو وأصيب من جراء ذلك بالديون المتراكمة عليه، ودخل في مشاحنات مع الآخرين ولم يستطع حتى الحصول على بيت يملكه أو ينسجم في عمل مستقر يعطيه دخلاً.
ومع أن بعض الأشخاص من أقاربه، وكذلك الدولة، ساعدوه ماديا وسددوا ديونه الكثيرة، إلا أن أموره ونفسيته لم تتحسن، وزادت عليه المصاريف والإحباط، فأصيب في آخر حياته بالإحباط والكمد والحسرة، وذهب مغاضبا إلى (روما) وكل الطرق تؤدي إليها - كما يقول المثل؟! ومات فيها وحيدا، بعيدا عن وطنه وأهله في يوم حزين - لمحبيه وتلاميذه - من أيام 1996م، وفقد الوطن بموته الأسيف موهبة فذة في مجال الفن التشكيلي، ودفن في المملكة - رحمه الله.