|
تحاول قناة (الثقافية) السعودية، منذ إنشائها – قبل عامين تقريباً – إرضاء مختلف طبقات المثقفين لدينا، مرة بالتغطية الحية الطويلة لمعرض الكتاب الدولي بالرياض، ومرات بتغطية فعاليات الأندية الأدبية وانتخاباتها، وما إلى ذلك من شؤون الثقافة والأدب.. وقد أبدعت القناة حيناً وأخفقت أحياناً، وباركها عددٌ من المثقفين وأبدوا إعجابهم بكل ما تقدمه، في حين قاطعها عددٌ آخر من المثقفين وأعلنوا اعتراضهم على كل ما تقدمه بل وأعلن عددٌ منهم أن القناة قد (فشلت) بكل ما للفشل من معنى!
بين هذا وذاك أجدني أقف موقف (الوسط) وأنا الذي لم أعرف سوى (التطرّف) في المواقف الثقافية (!) لماذا مع هذه القناة تحديداً؟
الواقع أنني افتقدتُ مع كثرة الفضائيات عدداً من الأشياء المحببة إلى نفسي وذائقتي، وقد لاحظتُ أن هذه القناة تعيد إليّ بعضاً مما افتقدتُ.. وأعني بهذه الأشياء فقرات ربما يحسبونها غير أساسية، وقد لا تكلف القنوات التلفزيونية شيئاً يذكر ولكنها تثري المشاهد والمستمع ذهنياً – وروحياً - وتجدد فيه الذاكرة وتحرّضه على التأمل والانسجام..
هي فقرات يومية قصيرة تأتي عادة ما بين الفقرات البرامجية الطويلة، وأذكر منها (من الذاكرة الثقافية) و (ديوان الثقافية) و (حفلات العزف الموسيقي).. وهذه الأخيرة – الحفلة الموسيقية – استمتعتُ بها قبل أيام متعة لا تضاهيها متعة مع الفن والموسيقى الشرقية الكلاسيكية الخالدة، فقد عرضت القناة تسجيلاً لحفل الفنان المبدع (جهاد عقل) وهو فلسطيني مولود في لبنان لأسرة فنية موسيقية عريقة، فوالده (أحمد سعيد عقل) موسيقي مبدع - ولا علاقة له بالشاعر سعيد عقل! – وقد أبدع جهاد في العزف على آلة (الكمان) حتى سمّاه الجمهور (ساحر الكمان) و (ملك الكمان) فهو حقاً يسحر كل مستمعيه حين يمسك بالكمان على خشبة المسرح ويعزف منفرداً كلاسيكيات القصبجي وعبد الوهاب والسنباطي وزكريا أحمد والأخوين رحباني والموجي وبليغ وغيرهم من عمالقة الموسيقى العربية في عصرها الذهبي..
أذكر أن قناة (النيل الثقافية)، وهي أولى القنوات الثقافية العربية، كانت تختتم بثها كل ليلة بعرض مثل هذه الحفلات الموسيقية الصافية، فإن أتت قناتنا الثقافية الوليدة واتخذت النهج نفسه في عرض مثل هذه الفقرات فهذا شيء يكمّلها ولا ينتقص من نشاطها، إذ لا يهم المشاهد أن تكون الأفكار مبتكرة بقدر ما يهمه أن ينال وجبة راقية من الإبداع..
كذلك الحال مع (ديوان الثقافية) الذي نتلقاه بمتعة كل يوم لنستمع فيه إلى قصيدتين من قصائد شاعر من شعرائنا يلقيهما بتميّزٍ وإتقانٍ المذيعُ الأجملُ صوتاً وأداءً (خالد مدخلي)، كما كنا في زمن مضى نستمتع بصوت كبير مذيعي التلفزيون السعودي منذ انطلاقة قناته الأولى (ماجد الشبل) – شفاه الله وعافاه – في فقرة (همس النسيم) التي كان يقرأ فيها شعراً يجعله رائعاً بصوته العذب وإحساسه العالي بمفردات الشعر..
أمّا فقرة (من الذاكرة الثقافية) فأظنها من ابتكارات قناتنا (الثقافية) فلا أذكر أنني شاهدتُ مثيلاً مطابقاً لها من قبل، فهي ترصد كل الأحداث (الثقافية دون غيرها) التي حدثت في العالم (في مثل هذا اليوم) كلّ يوم، وتستعرضها بإيجاز مكثف وإخراج متطوّر..
ختاماً أقول: أرى للقناة الثقافية أشياء جميلة، كهذه التي ذكرتها وغيرها، كما أن لها سلبيات كثيرة يعرفها الجميع ويتحدث عنها معظم المثقفين وليست بحاجة إلى إضافة حديث عنها (!) فقد أردتُ بهذه المقالة أن أشير فقط إلى بعض الأشياء التي يراها بعض المتابعين (صغيرة) في حين أراها (ملامح تجذبني إلى هذه القناة)..
الرياض
ffnff69@hotmail.com