قبل 6 أشهر، كتبت في هذه الزاوية مقالاً من جزأين، تحت عنوان: من المستفيد من انتشار المخدرات في مجتمعنا؟ حاولت من خلاله أن أتلمس بعض الخيوط التي من خلالها نتمكن من الوصول إلى الأيدي العابثة، وإلى المستفيد من تدمير عقول هذا النشء. أشرت كذلك إلى الأبعاد السياسية والتي قد تكون أحد أطراف هذه القضية، وتساءلت: «ما الذي يمنع إيران وأتباعها من توزيع المخدرات في مجتمعنا وببلاش؟ وإسرائيل، أليست مستفيدة من هذا؟ فهذا الاستهداف وهذا الانتشار ليس وراءه تجار المخدرات فقط!».
لذا لم أتفاجئ حينما قرأت قبل يومين ذلك التقرير المنشور في مواقع سورية معارضة، عن أنشطة عصابات المخدرات في سوريا واتجاهها نحو منطقة الخليج العربي، وأن هذه الأنشطة تتم تحت عين وإشراف المخابرات السورية والقصر الجمهوري! وفي تقرير صحافي آخر، تم نشره عبر موقع إذاعة العراق، تحدث في طياته متخصصون ومراقبون عن الأعداد الكبيرة من المخدرات التي يتم تهريبها إلى العراق، قام بها إيرانيون، وتخوفهم من أن يكون العراق مجرد -معبر- إلى سوق الاستهلاك. وباعتقادي أن ما بين التقرير الأول والثاني ارتباط مباشر إذا نظرنا إلى الأوضاع والأهداف السياسية التي تخص كل منطقة، وبالتركيز على كلمة -معبر- فإلى أين؟ إلى الخليج العربي بالتأكيد. وبالنظر كذلك إلى منطقة العراق نفسها التي صارت تضج بمشكلة انتشار المخدرات، بعد أن حازت على المرتبة الأولى عام 2000م، بحسب مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات، كدولة نظيفة من هذه الآفة!
إن الواقع الذي نرى من خلاله مدى انتشار آفة المخدرات بين الشباب من الجنسين، يؤكد لنا أن خططاً ممنهجة تم رسمها وتم وضع آلية لتنفيذها، بناء على دراسة وافية ومستفيضة لخصائص شباب كل منطقة، ووسائل جذبهم، مع كيفية إيصالهم إلى عمق الإدمان حيث طريق اللاعودة، ليبقى الخيار أمامه ما بين السجن أو المستشفى، وكلا الخيارين لن يساهما بشكل مؤثر في إعادة المدمن إلى الحياة السوية مجدداً، إلا من رحم ربي.
لن أردد تلك العبارات التي تكثر بين المتخصصين، حين يأتي الحديث عن أسباب انتشار المخدرات بين الشباب، كرفقاء السوء، والتربية، والمنزل، والمدرسة. من المؤكد أن هذه وغيرها أسباب مهمة ومباشرة، لكن هناك أسباب أخرى لا بد أن نواجهها ونضع خططنا لإفشالها، مع عدم تغافل الخطط الوقائية للأسباب الأخرى، التي تهدف إلى تحطيم البنى التحتية لعقول مجتمعاتنا الخليجية على وجه الخصوص، والعربية على وجه العموم! مع العلم أن كل ما اطلعت عليه من دراسات وبحوث أو مقالات حول مشكلة المخدرات لم تتجاوز: (رفاق السوء، التربية، ضعف الوازع الديني). وهذه أسباب لا يمكن أن ننكرها، لكن من المهم معرفة الأوجه الأخرى للقضية، في ظل إشكالية منتشرة بسرعة عجيبة داخل الأوساط الشبابية!
صحيح أن المخدرات قضية اجتماعية في المقام الأول، وتجارها يعملون ليل نهار على ابتكار أساليب التهريب وطرق الالتفاف على الفئة المستهدفة، إلا أن تسييس قضية المخدرات بالنظر إلى الاستهداف المباشر وغير المباشر لمنطقتنا بات أمراً مهماً كوسيلة من وسائل الاعتراف والمواجهة!
www.salmogren.net