ماذا يريد الإنسان من بلاده؟ لا أظن أن إنساناً عاقلاً يبحث عن أكثر من ثلاثة أشياء: الصحة والغذاء، التعليم، والوظيفة، فما لم يتعلم لن يظفر بوظيفة، وما لم يكن بصحة جيدة وغذاء متوفر لن يتعلم، وبالضرورة لن يجد عملاً... فهل هذه صعبة التحقيق؟
أكاد أجزم أنه لن تمر بنا سنوات خير وثروات وأرقام فلكية لميزانية الدولة السنوية كما تمر بنا الآن، فمن يضمن المستقبل، ومن يضمن ألا تداهمنا السنوات العجاف التي لا نجد فيها ما نأكله، وخصوصاً أن رئيس هيئة الغذاء والدواء يقول إننا نستورد 70% من غذائنا، تخيّلوا أن أكثر من ثلثي ما نأكله هو من خارج البلاد، وأن مياهنا الجوفية نضبت، ولا نملك أن نشرب إلا من تحلية مياه البحار، تخيّلوا أن ما يقارب 86% من موظفي القطاع الخاص وعماله هم من الأجانب، أي أن من يدير أموالنا وثرواتنا هم من الأجانب، ماذا لو حدثت أزمة وأعلن الحظر علينا، من أين سنأكل ونشرب، ماذا لو قرَّر هؤلاء الأجانب الخروج من البلاد، هل سيدير هذا القطاع الخاص مجرد الـ 16% منه، الذين هم من المواطنين؟ أم أنه سينهار بشكل مريع؟
ماذا سيحدث لو انهار كل ذلك، وتوقف استيراد الأدوية من الخارج إلى البلاد، وهي التي تمثّل 80% تقريباً مما يتوفر لدينا، هل سنموت؟ وسيموت مرضانا من الزكام مثلاً؟
وعوداً إلى بداية مقالي حول الضرورات، إذا كنا لم نوفر سوى 20% من احتياجاتنا من الأدوية، ولم نوفر سوى 30% من احتياجاتنا إلى الغذاء، وإذا كنا لم نوفر سوى 30% مما نحتاج إليه في التعليم الجامعي (حسب تصريح د. العثمان بحاجتنا إلى تسعين جامعة)، وإذا كان لا يعمل منا في القطاع الخاص، وهو الأهم في اقتصاد أي بلد، سوى 16% فقط، فما العمل؟ كيف نستطيع أن نقلب النسب؟ بأن نشكل نحن السعوديين 86% من موظفي القطاع الخاص، وأن ننتج 70% من غذائنا، و80% من أدويتنا، كيف نبقي المائة مليار ريال في الداخل بدلاً من تحويلها، عبر الأجانب، إلى الخارج؟
أتمنى أن يُسأل الوزراء، وأعضاء مجلس الشورى، سؤالاً متخيّلاً، ويطلب من كل واحد منهم التحضير لإجابة: تخيّلوا لو أن النفط بدأ ينفد فجأة حتى نضب خلال عشر سنوات، أو لنقل تخيّلوا لو أن العالم اكتشف مصدراً جديداً للطاقة، أقل كلفة وأفضل للبيئة، من النفط، وتوقفت الدول عن استيراد النفط المخزون بكميات ضخمة في أرضنا، وتحولت ميزانيتنا إلى سراب، وهي التي يشكل النفط 93% من إيراداتها، ماذا سنفعل؟ وكيف سنحمي بلادنا من الفقر؟ كيف نقودها إلى بر الأمان؟ كيف نواجه الكارثة؟ ماذا علينا أن نفعل سريعاً، وما الخطط التي قد تنقذنا خلال عشر السنوات تلك؟
ولو وقفنا أمام أنفسنا عام 2022م وسألنا السؤال ذاته، ماذا فعلنا في السنوات العشر الماضية؟ هل تغيّرت هذه النسب أعلاه، هل وجدنا مورداً آخر غير النفط؟ هل شارك المواطن في القطاع الخاص بشكل أكبر؟ هل انخفضت معدلات البطالة؟ هل حُلّت مشاكلنا مع الغذاء المستورد، والدواء المستورد، مع الصحة والتعليم؟ أم أننا ما زلنا نبحث عمّن يتوسط لنا للدراسة في الجامعة، للوظيفة، للتسجيل في حافز، للبحث عن سرير؟ الله أعلم.