إنَّ الإحسان من أخلاق أهل النبل والفضل، ولا يصل إلى هذا الخلق الكريم إلا المهتدون الموفقون، والإحسان ضد الإساءة، والمحاسنُ في الأعمال ضد المساوئ قال تعالى {وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} أي: يدفعون بالكلام الحسن ما ورد عليهم من سيء غيرهم، ومعنى الإحسان اصطلاحاً يختلف باختلاف السياق الذي يرد فيه، فإذا اقترن بالإيمان والإسلام كان المراد به الإشارة إلى المراقبة وحسن الطاعة، وقد فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عندما سأله جبريل: ما الإحسان؟ فقال: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وأما إذا ورد الإحسان مطلقاً فالمراد به: فعل ماهو حسن.
قال المناوي: الإحسان إسلامٌ ظاهرٌ، يقيمه إيمانٌ باطنٌ يكمِّلُه إحسانٌ يهودي. قال ابن قيم الجوزية ما خلاصته: الإحسان على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: الإحسان في القصد بتهذيبه علماً وإبرامه عزماً وتصفيته حالاً. الدرجة الثانية: الإحسان في الأحوال وهو أنْ تراعيها غَيرةً، تسترها تظرُّفاً، وتصححها تحقيقاً. والمراد بمراعاتها: حفظها وصونها غيرةً عليها أنْ تُحوَّل، فإنها تمر مر السحاب، وتكون المراعاة أيضاً بدوام الوفاء وتجنُّب الجفاء. الدرجة الثالثة: الإحسان في الوقت، وهو أنْ لا تُزايل المشاهدة أبداً، ولا تخلط بهمتك أحداً، والمعنى في ذلك أنْ تتعلق همتك بالحق وحده ولا تعلق همتك بأحدٍ غيره. وقال أيضاً -رحمه الله- (الإحسان من منازل إياك نعبد وإياك نستعين) وهذه المنزلة هي لبُّ الإيمان وروحه وكماله، وهي جامعةٌ لما عداها من المنازل، فجميعها منطوية فيها، ومما يشهد لهذه المنزلة قوله تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} سورة الرحمن (60) انتهى مدارج السالكين (2/ 480) وما بعدها، وللإحسان منزلة عظيمة فهو فوق منزلة العدل لأنَّ العدل أنْ يأخذ الإنسان مالَه ويعطي ما عليه. والإحسان يعني أنْ يأخذ الإنسان أقل مما له وأنْ يعطي أكثر مما عليه، وإذا كان تحري العدل من الواجبات فإنَّ تحري الإحسان ندب وتطوع وكلاهما مأمور به في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} سورة النحل (90) ، فالعدل لا بد منه لضبط الأمور وإنصاف بعضهم من بعض، وعندما سأل عمر بن عبدالعزيز محمد بن كعب القرظي-رحمهما الله- قائلاً: صف لي العدل، قال: بخٍ، سألت عن أمرٍ جسيم، كن لصغير الناس أباً، ولكبيرهم ابناً، وللمثلِ أخاً، وللنساء كذلك، وعاقب الناس على قدر ذنوبهم، ولا تضربن في غضبك سوطاً واحداً فتكون من العادين، انتهى، ومن أعظم الإحسان، الإحسانُ إلى الوالدين قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} سورة النساء(36)، الأنعام 151، الإسراء 23. ولا أحسن عاقبة من الإحسان إذ إنَّ معية الله للمحسنين وكفى بها شرفاً قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} سورة النحل(128) وقال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} سورة العنكبوت (69). وكذلك فإن الله يحب المحسنين قال تعالى: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} سورة البقرة(195). وثمرة الإحسن تعود على صاحبها قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ}سورة الإسراء (7).
وقال الشاعر في فضل الإحسان:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استبعد الإنسان إحسان
وللإحسان فوائد كثيرة منها: أن المحسن يكون في معيَّة الله تعالى ومن كان الله معه فإنَّه لا يخاف بأساً ولا رهقاً، وأنَّ المحسن ينال محبة الله تعالى، ومن محبة الله نال محبة الناس، وأن التمكين في الأرض معقودٌ بالإحسان، وأن المحسن قريبُ، من رحمة الله قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} سورة الأعراف(56) ، ومن فوائد الإحسان أنه من وسائل حصول البركة من العمر والمال والأهل، ووسيلة من وسائل الرقي والتقدم، ووسيلة لإزالة ما في النفوس من الكدر وسوء الفهم وسوء الظن، وكذلك فهو طريق لإطفاء نار الفتن وأسباب الصراع قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} سورة فصلت(34).