عندما تهب رياح شباط الآتية من الشمال في مثل هذه الأيام على أهالينا في وسط الجزيرة العربية في العهد القديم، كانوا يتحفزون إليها فرحاً، إلى الرياح الباردة وأمطار الربيع فيما بعد ونبات الشتاء وزهيرات الأرض و(للغياب) وإلى من راحوا من جزيرة العرب باتجاه بلاد الرافدين العراق، والهلال الخصيب بلاد الشام، وهبة النيل مصر، وقوافل الحجيج التي تأتي من شرق العالم الإسلامي للحج والعمرة والتجارة...
كان الشمال بوابة أهلنا وتطلعاتهم لأنها هي المغذي بالتجارة والراحلين وهي الممطرة بإذن الله من سحاب محملة بالرطوبة والرياح الباردة من البحر الأبيض المتوسط والأطلسي... الجغرافيا هي نفسها جغرافية الأمس, والانثروبولوجيا علم الإنسان الثقافي هي نفسها, وكما هو الشوق إلى الشمال والحميمية إلى رياح الشمال الباردة التي تهب من سيبيريا عبر جنوب وغرب أوروبا في الألفية الأولى الميلادية هي نفسها بالنسبة لأهلنا في الداخل في الألفية الثالثة لطلابنا المبتعثين إلى أوروبا وأمريكا وكندا والصين واليابان.. هذا الجيل الذي ارتحل غرباً بحثاً عن تعليم مميز وفرص تأهيلية في جامعات عالمية متقدمة، هذا الجيل له في الداخل عيون وأفئدة وتطلعات دولة تنتظره وهو يحمل طموحه وحبه لوطنه للدراسة في سن مبكرة لتوه غادر مقاعد الدراسة الثانوية، ولتوه غادر دفء البيت والأهل والجيران وأصدقائه.. هذا الجيل الذي بلغ (130) ألف طالب وطالبة وربما قد يتجاوز (200) ألف في برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي يحتاج منا في وزارات الدولة الرعاية الوظيفية لأنه لا يقتصر على البكالوريوس وإنما الدراسات العليا الماجستير والدكتوراه وفي تخصصات بعضها إستراتيجي مثل الطب والهندسة والحاسب وتخصصات دقيقة أخرى لا توفرها جامعاتنا...
العديد من دول العالم عندما بدأت التغيير العلمي والتقني ابتعثت طلاباً في سن مبكرة وطلاباً آخرين للدراسات العليا وعملت على الدراسات العامة والدراسة الموجهة من أجل الاستفادة العلمية والحضارية والثقافية، ويتوقّع من طلابنا الذين يعدون أكبر هجرة علمية للغرب نفذتها المملكة خلال تاريخها الحديث أن تعود بالفائدة العلمية والثقافية من أجل نقل المعرفة وتحديث النظام التعليمي في المملكة...
مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي يجب أن لا يتوقف، بل يتم تجديده من أجل تواصل الأجيال وتحديث المعارف والعلوم، وسنبقى في انتظار رياح الشمال العلمية حتى يقدّر الله لنا ونتملك جزءاً من المعرفة لتكون مورداً اقتصادياً إضافياً لبلادنا.
a4536161@hotmail.com