تحظى أماكن العبادة بخصوصية يحترمها كل من يريد أن يدخل إلى هذه الأماكن سواء أكان من المؤمنين بالدين الذي يتبعه مكان العبادة أم من أتباع ديانات أخرى أو من غير المؤمنين بأي دين.. فأماكن العبادة تحكمها تعاليم دينية أو تقاليد أو طقوس تكون موضع احترام الجميع.
وفي زمننا الحاضر، من النادر أن يكون هناك من هو ملزم بالتردد عليها ولكن حين يختار الذهاب إليها فهو مطالب بالتقيد بتقاليد المكان.
أتذكر في الصيف قبل الماضي في فرنسا أنني تابعت جدلاً قاده عددٌ من أساقفة الكنائس بعد أن ضاقوا ذرعاً بالسياح الذين يترددون على الكاتدرائيات الكاثوليكية التاريخية، حيث كان بعض السياح لا يلتزمون باللباس المحتشم.. وقد كان هناك - بالتحديد - نقد للنساء اللاتي كن يدخلن الكنائس وهن يرتدين ملابس البحر أو الفساتين القصيرة المكشوفة، بل وحتى الرجال الذين لا يرفعون قبعات الشمس عن رؤوسهم احتراماً للكنيسة!
ومعروف أن بعض الكنائس، وخصوصاً الكنائس الشرقية، مستمرة في تطبيق تقاليد تغطية الرأس بالنسبة للنساء اللاتي يحضرن مراسم العبادة.. ومعروف أيضاً أن مدينة الفاتيكان، وليس فقط كنيسة القديس بطرس الشهيرة في الفاتيكان، تفرض على زوارها ارتداء ملابس «محتشمة».
ومن المؤكد ان مفهوم «الاحتشام» يختلف من مجتمع لآخر.. ولكن معروف أيضاً أن هناك حدوداً اجتماعية إنسانية عامة للاحتشام تفرضها الفطرة السليمة. وفي كل الأحوال فإن كل ما يتعلق بالأديان يتسم بالحساسية.. وهذا أمر يتفهمه الناس في كل مكان، ولذلك نرى أفواج السياح الذين يزورون الأماكن التاريخية الدينية في الهند أو في جبال الهملايا أو تركيا أو مصر أو أي بلد يلتزمون بقواعد معينة في اللباس والسلوك طبقاً لتقاليد المكان.
كنت أعتقد أن هذه الأمور محسومة تماماً، وخصوصاً في مجتمعات ترفع شعارات احترام الآخر.. لكنني فوجئت بهذه الضجة التي أثارها بعض السياسيين في هولندا بسبب ارتداء الملكة بياتريس، ملكة هولندا، للحجاب عند زيارتها لمسجد السلطان قابوس في عُمان، حيث خرج رئيس حزب الحرية محتجاً وواصفاً سلوك الملكة بأنه مشهد حزين يضفي الشرعية على اضطهاد المرأة!!
ليس لديَّ أدنى شك في أن ارتداء الملكة لأي زي وهي تدخل داراً للعبادة لم يكن ليثير أي تساؤل أو احتجاج لدى ذلك الحزب اليميني المعادي للمسلمين لو كان مكان العبادة يهودياً أو مسيحياً أو هندوسياً أو بوذياً او أي دين آخر.. لكنه العداء المستحكم للمسلمين لأسباب قد نتفق أو نختلف حول بعضها إلا أنه بالقطع عداءٌ يستفز مشاعر المسلمين وهم يرون أن دينهم أو ثقافتهم مستهدفة بشكل أحادي حتى في مواضيع تافهة صغيرة أو تتعلق بالحرية الشخصية، مثل وضع قطعة قماش لغطاء الشعر تسمى الحجاب.
أين هي الحرية إذن!؟
ما شأن الآخرين بشعر امرأة تختار أن تغطيه أو لا تغطيه!؟ إنني أعلم أن تصرفات بعض المسلمين في أوروبا تستفز الأوروبيين وهي أحياناً تصرفات غير مبررة وغير حصيفة ولا علاقة لها بالدين أو أنها من الأمور الخلافية.. لكن ذلك لا يبرر هذا العداء المقيت لجميع المسلمين وللثقافة الإسلامية بكاملها.
كانت الملكة حكيمة عندما وصفت احتجاجات سياسيي حزب الحرية بأنه «هراء حقيقي»، وكذلك رئيس وزراء هولندا عندما أرسل خطاباً مكتوباً للبرلمان قال فيه: «عندما تزور جلالتها دوراً للعبادة فإن احترام متطلبات الملبس واجب».
أجل إنه هراء حقيقي.. لكنه - للأسف - هراءٌ يؤجج مشاعر العداء بين الثقافات والأديان والأفراد في العالم.
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض