ولا أزال أرى ما قلته من قبل، لأبنائي، وطالباتي، وقرائي:
« إن على المرء أن يحرص على ما لا يُسرق منه».. وما دون ذلك فكله إلى زوال:
قال الشاعر:
« نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة
فكيف آسى على شيء إذا ذهبا»...؟
ألا ترونهم يسرقون «حتى الكحل من العيون»، ويحسدون ما يملك الآخرون،..
حتى «العين النجلاء وإن كانت عمياء..؟..
والذي لا يمكن أن يسطو عليه سارق من كان، هو ما في قلب، وعقل الإنسان،..
والذي في القلب من الإيمان، وفي العقل من الحكمة، وما ينتج عنهما، ويصدر منهما، قولا وفعلا هو محفوظ للمرء في أم الكتاب،...
ومن ينتحل منه إن جاء في قول عابر، أو نفل مباشر، إنما يُعاد لصاحبه على ألسنة الخلص من الصادقين، الذين يعيدون للآخرين حقوقهم،...
وما عنه من علم جار، يبقى عند من تلقاه، ويتناقله من يأخذه، ويتوالاه..
فسرقة نتاج القلب، والعقل محال أن يتم لها فعل، أو يتحقق لها هدف.
هاجستني هذه الشذرة بالأمس، وأنا أقرأ عن السرقة التي حفر لها السراق نفقا تحت الأرض, بطول ثلاثين مترا, مدة حفره كما قال الخبراء ستة أشهر..، تمت في مدينة (مانشستر) ببريطانيا لسرقة أحد أجهزة صراف آلي في متجر ما، لم تكن فيه من المبالغ ما يحقق غايتهم، على رغم جهدهم في السبيل للوصول إليه...
بخسارة مضمونة لغاية نيتهم، والوسيلة الهادرة لجهدهم..
كذلك، ما يفعله الذين صنعوا 78 مليون قطعة مقلدة، ومغشوشة لا تطابق المواصفات المقننة لجودة المستورد, حين ضبطتها جمارك المنطقة الشرقية في نهاية عام 2011، عند إحصاء نواتج الاستيراد لذلك العام.., ونشرت خبرها الصحف،
تلك الملايين من القطع دافع صناعتها هو سرقة أموال الناس بغشهم..
ونحن قوم لا غش بيننا، وليس منا من يغشنا، بناء على ما لا يسرق منا..!
إنه زمن تعالت فيه جلبة السارقين، وتعددت ألوان السُّراق..
والنجاة فيه منها، ومنهم لا تكون إلا بالحرص على تنمية، وتزويد، وضخ ما لا يسرق من المرء في موقعيهما.. القلب والعقل...
بشحذ القلوب بإيمانها، والعقول بحكمة علمها، ومعرفة مداركها..
ومن ثم بضخ ما فيها.., والثقة بأنه محفوظ عند من لا تضيع عنده الأمانات وإن كانت لعباده..,
فهو غي عنها سبحانه وتعالى..
إذ لا يسرق غني.., ولا يفقد مروءته تقي.