العمل الوظيفي في الدولة أو في القطاع الخاص أحد الأعمال التي تعد مصدراً من مصادر الكسب الحلال، لذا فإن هذا العمل يتطلب الأخذ بالأسباب التي تكفل سلامته ونزاهته مما يشوبه من السلوكيات الخاطئة التي تخرجه من دائرة الإباحة، وتعمل على التعدي والاعتداء على الحقوق الخاصة والعامة، فيصاب الموظف بخيبة أمل حين يدخل في دائرة الكسب الحرام بسبب نفسه الأمَّارة بالسوء. والسعيد من وعظ بغيره.
ولا يخفى ما يتركه الكسب الحرام من أثر سلبي وعاقبة وخيمة على حياة الموظف الدينية والدنيوية.
لذا فإن مما تدعو الحاجة إليه بيان تلك السلوكيات الخاطئة التي تحول دون النزاهة الوظيفية، وتدخل الموظف في دائرة الرقابة الوظيفية المشدّدة، حين فقد الشفافية وسلامة النيَّة، وسوَّلت له نفسه الإخلال بالأمانة التي قطعها على نفسه عند استلام الوظيفة.
ومن أهم تلك السلوكيات الخاطئة والمعوقات للنزاهة الوظيفية ما يلي:
1. عدم القدرة على طبيعة العمل الوظيفي، وإذا كانت الاستطاعة شرطاً في التكاليف الشرعية - كما دلَّت على ذلك نصوص الكتاب والسنة - فكونها شرطاً في الأعمال الدنيوية من باب أولى، ففاقد الشيء لا يعطيه وقد قيل: إذا لم تستطع أمراً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع.
2. عدم حفظ أسرار المهنة، فمن المعلوم أن العمل الوظيفي أمانة، وحفظ الأمانة يتطلب حفظ أسرار المهنة، فمن الموظفين من يطلق لسانه في كشف أسرار عمله للغير دون مبالاة بأمانة العمل، وهذا نوع من الخيانة.
3. عدم الالتزام بأوقات الدوام الرسمي، وهذا أمر شاع بين كثير من الموظفين، وهو نوع من الإخلال بالأمانة الوظيفية، وفي النهاية يؤدي إلى عدم نزاهة الموظف، فينذر من قبل مرجعه المباشر فإن التزم وإلا فُصل من عمله، فيكون قد جنا على نفسه بنفسه وفقد مصدر رزقه.
4. التهاون في أداء العمل الوظيفي، فلا يعطي العمل حقه ويؤجّل عمل اليوم إلى الغد، ويصرف الوقت في المحادثة بالهاتف أو مع زملائه في العمل أو في قراءة الصحف حتى ينتهي الدوام، ويكون هذا ديدنه في حياته الوظيفية فلا عمل أداه ولا مجد أثله.
5. الأخذ بمبدأ المحسوبية: وهو مبدأ يتعلَّق بتقديم عامل القرابة والصداقة والمعرفة على أي اعتبار آخر، ولو ترتب على ذلك تقديم المفضول على الفاضل، وهو نوع من المجاملة التي تسيء إلى مبدأ العدل والإنصاف، وقد انتشر هذا المبدأ لدى بعض من الموظفين، وهو من الأمراض الاجتماعية المستعصية التي قد يصعب علاجها.
6. أخذ الرشوة: وهي من الأمور المحرَّمة شرعاً، فقد لعن الرسول - صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، وهو الساعي بينهما، فمتى أخذ الموظف مالاً أو حصل على منفعة من المراجع لكي ينجز له عمله على حساب الضرر بغيره، أو ينجز له عمله على خلاف النظام فقد ارتكب معصية، بل كبيرة من كبائر الذنوب، وأخلّ بأمانته ونزاهته.
7. الاختلاس من المال العام: وهذا داء ابتلي به بعض الموظفين، وهو نوع من الفساد الإداري والمالي، فحرمة المال العام كحرمة المال الخاص، فمن الموظفين من ضعفت نفوسهم بعد ضعف إيمانهم ليمدوا أيديهم إلى أموال الدولة، ولا بد لصاحب النيّة السيئة أن ينكشف أمره وقد فقد نزاهته وخسر دينه وأمانته وسمعته بين زملائه خاصة، ويعرف بخسته ودناءته وتطاوله وتعديه على المال المحترم، وتعد ظاهرة الفساد الإداري والمالي من الظواهر الخطيرة التي تهدّد اقتصاد العالم وخاصة في الدول النامية، مما جعل الباحثين يهتمون بدراستها وإيجاد الحلول المناسبة لها ومكافحتها بشتى الوسائل.فواجب على كل موظف حكومي أو غير حكومي أن يتقي الله، ويجعل مخافة الله بين عينيه، ويحرص على المصلحة العامة قبل الخاصة، ولا يؤجّل عمل اليوم إلى الغد، ويعطي كل ذي حق حقه، ويعلم أن الله مطلع عليه لا تخفى عليه خافيه، والله سائل يوم القيامة كل راع عمَّا استرعاه حفظ أم ضيع. والله الهادي إلى سواء السبيل.
dr-alhomoud@hotmail.com