|
الرياض - مشعل المطيري
«كما ترى.. بإمكان الواحد منـــا أن يفعل الكثــير بلسانه»، يقول عبد الرحمن المري وهو مستلق على سريره،
على شاشة كمبيوتر عملاقة إلى جواره، يبدأ الشاب الذي أصيب، منذ 20 عاما، بشلل رباعي في استعراض مهاراته اللافتة على تصميم الصور ومقاطع الفيديو عبر برنامجي «فوتوشوب» و»آفتر إفيكت». وحين يقارب على الانتهاء تلتفت الممرضة المشرفة على حالته نحوي قائلة: «إنه سوبر عبد الرحمن».
قبل عشرين عاما، وحين كان في العاشرة من عمره تعرض عبد الرحمن المري لحادث دهس أصيب جراءه بشلل رباعي. ومنذ ذلك الحين يرقد المري في الجناح 21 بمستشفى الملك خالد الجامعي حيث يناديه الجميع «سوبر عبد الرحمن». ورغم أنه لم يتخط الصف الثالث الابـــتدائي، إلا أن المري طور، بجهود فرديـــــة، من مستواه التعليمي: «كنت بالكاد أحسن القراءة والكتــــابة. أما الآن فأجيد اللغة تماما وأقرأ وأكتب بالإنجليزية أيضا».
بالفعل، لا يمكن لأحدهم أن يخطئ الثقافة الواسعة التي يتمتع بها المري، وهو أمر ساهم فيه بحثه الدؤوب عن طريقة لدخول عالم الحوسبة والإنترنت، رغم عدم قدرته على تحريك أي من أطرافه: «كنا، أصدقائي وأنا، نبحث عن أجهزة تساعد المعاقين على الدخول إلى عالم التقنية. وفي كندا عثر أصدقائي على الجهاز المطلوب».
كان الجهاز عبارة عن فأرة تدار باللسان، وتوصل بالكومبيوتر عبر مدخل يو إس بي: «استخدمت هذه الفأرة بادئ الأمر مع جهاز عادي. وواجهت صعوبات عديدة قبل أن أتحول إلى طلب جهاز بمواصفات وتطبيقات خاصة وفرته لي شركة (أبل) الأم».
بالطبع لم تكن الاستعانة بهذه التقنيات خدمة مجانية، فقد تكلفت الفأرة وحدها 7500 ريال، فيما بلغ سعر الجهاز 22500 ريال. غير أن إدارة المستشفى، التي يقول المري إنها كانت متعاونة معه إلى أبعد حد، وفرت الاتصال بشبكة الإنترنت.
الآن، لا يجد عبد الرحمن متسعا من الوقت للتفكير خارج نطاق جهاز الكمومبيوتر الخاص به. وفي معظم الوقت يكون منشغلا إما بمراسلة الأصدقاء أو التصفح في المواقع التعليمية. أمــــا شغله الشاغل فهو تصميم الصور ومقاطع الفيديو الاحترافية وكل ذلك دون أن يحرك شيئا من جسده عدا لسانه: «أحيــــانا يحتاج أحدنا إلى السقوط ليتمكن من الصعود إلى الأعلى. أليس كذلك!».
كان عبد الرحمن دائم التطلع إلى الأعلى، وهو أمر دفعه إلى مراسلة وزارة التربية طالبا مساعدته في إكمال تعليمه، لكن رد هذه الاخيرة لم يرق المري: «اكتفوا برد لم يتجاوز السطر ونصف السطر ولم يخل من أخطاء إملائية. وفي اعتقادي أنهم ارتكبوا خطأ منهجيا في التعامل مع حالتي. حسنا ما الذي يمنع على الأقل من استحداث قسم للتعليم الإلكتروني يسمح للمعاقين بمواصلة تعليمهم؟».
ولا يبدو أن وضع وزارة الشؤون الاجتماعية أفضل حالا: «طلبت منهم مد ذوي الاحتياجات الخاصة بأجهزة مشابهة لجهازي مقابل أسعار رمزية، أو توفيرها بأقساط شهرية. هذه الأجهزة أفضل كثيرا من الكراسي المتحركة التي توزعها الوزارة. لكنهم لم يتجاوبوا معي».
ويعتقد عبد الرحمن أن الرعاية الطبية التي تقدمها المستشفيات إلى المعاقين: «تختلف بحسب نظـــــرة إدارة المستشفى إلى المعاق. أهم ما في الأمر أن تعترف المستشفيات أن المرضى ذوي الإصابات الدائمة واقع لا مفر منه»، منوها بافتتاح مستشفى الملك خالد الجامعي قسما خاصا بالحالات الدائمة: «أصبح بإمكان المرضى الآن الخروج من القسم والعــــودة إليه. هـــذه الخطوة يجب أن تطــــبق في جميع المستشفيات لكنها تحتاج إلى الدعم والتطوير».
ووفقا لعبد الرحمن، ترى معظم المستشفيات أن المعاق يجب أن يخرج إلى منزله بجميع الاجهزة الطبية مع ضرورة توفير ممرض يستقر مع الأسرة: «هذا كلام رائع وتنظير ممتاز، غير أن تطبيقه أمر شبه مستحيل».