من يسبر أغوار الواقع العربي حساً وتمحيصاً.. ويمعنُ التدقيق في اختلاف طبيعة بعض الأنظمة السياسية العربية.. مع اختلاف توجهاتها الإيديلوجية والفكرية وتحالفاتها الإستراتيجية.. تهولُه تلك الانكسارات والاستعصاءات.. والمواجع التي تنخر في جسد الأمة العربية.. فباتت من الكثرة تقودنا أحياناً إلى ارتكاب الخطأ في تعدادها.. وما حصيلة العقود الماضية والحاضرة إلا خير برهان على شكلية هذا الواقع الأليم.
في سباق المناخ السياسي المتوتر الذي أفرزته الظروف المؤلمة..
التي يمر بها الوطن العربي برمته من المحيط إلى الخليج ومع ما تعانيه الأمة العربية من صراعات متتالية.. وضعف وهوان.. إلى جانب ذلك الكم الهائل من المتغيرات على الساحة الدولية..
يُطرَحُ تساؤلٌ لطالما بحثت الشعوب العربية عن إجابةٍ شافيةٍ له.. تُرى هل الجامعة العربية وعاءٌ للعمل العربي المشترك؟ إن كانت كذلك.. فماذا قدمت للوطن العربي وللشعوب العربية؟ وكم من القضايا استطاعت هذه الجامعة أن تجد حلاً لها؟ بل إن السؤال الأهم رغم أهمية كل تلك الأسئلة يكمن في.. هل استطاعت الجامعة العربية مواجهة التحديات التي تعصف وتهدد العالم العربي؟ العالم العربي يمر اليوم بمرحلة خطيرة وحساسة.. فهو يعاني حالة من التمزق والخلافات.. والصراع والتحديات في ظل تكتلات سياسية واقتصادية يشهدها العالم في هذه المرحلة.. فبينما نجد أنظمة الدول الأوروبية التي لا يجمعها لغة مشتركة ولا تاريخ مشترك.. ولا حتى عادات وتقاليد متشابهة احترمت شعوبها.. واتحدت بمحض إرادتها.. ونجحت في ذلك.. مشكلة الاتحاد الأوروبي.. تراقب السياسي وتحاسب المخطئ وتعاقب المفسد. ورغم أن تجربة التقارب الأوروبية كانت لاحقة للتجربة العربية.. ورغم ما يجمع الشعوب العربية من تاريخٍ ولغةٍ مشتركة وتقاليد متقاربة.. إلا أن الخلافات والصراعات بين أنظمتِها مزقتها.. والتنافر والتباين في الرؤى والاتجاهات أودى بها إلى الضعف والهوان.. ولم تعد قادرة على صناعة القرار الذي يلبي طموحات وآمال الشعوب العربية.
إن الجامعة العربية واحدة من أعرق المنظمات الإقليمية في العالم..
وولادتها جاءت تلبية لرغبة عدد من الأنظمة العربية لتكون واجهة تمثل الشعوب العربية.. لكنها أصبحت في وقتنا الحالي واجهة شكلية.. فقد فشلت وبكل المعايير القياسية من تفعيل دورها.. وعجزت عن مواجهة التحديات.. وأخفقت في كسر حائط الفرقة بين بعض أعضائها.. وبقي الدفع والجذب يراوح مكانه بين عدد من الدول المنتمية لها.. وهذا ما تجسد في كثير من قممها التي عُقِدت. ما تتعرض له اليوم الجامعة العربية من انتكاسات.. إنما يعود إلى عدم اقتناع كثير من الأنظمة العربية بفاعلية العمل العربي المشترك.. ناهيك عن ثمة مفارقات أخرى.. تمثلت الأولى في الفجوة العميقة بين القرار والتنفيذ.. ففي حوزة الجامعة العربية ترسانة هائلة من القرارات والمعاهدات والاتفاقيات.. لكن الحصيلة أشبه بالحصيلة الصفرية فهي لا تعدو كونها حبراً على ورق.
أما ثاني هذه المفارقات فتأتي على خلفية الأحداث العالمية.. ففي الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو التقدم والانصهار في بوتقة واحدة.. نجد أن العلاقات العربية تنحو منحى التدهور والانفصام عن بعضها.. وأن سيطرة النزعات والخلافات السياسية فتت مناعة الجامعة العربية.. {هذا إن كان لديها مناعة} وأضعفت دورها.. وبالتالي عجزت عن مواجهة التحديات فلا عجب أن تتداول أوساط الشعوب العربية تساؤلاتٍ حول انعدام النبض في جسد العمل العربي المشترك.. وعدم تفعيل الإستراتيجيات العربية التي تهدف إلى تطوير وتعميق التعاون العربي في شتى المجالات.
يبدو أننا كلما تحدثنا عن أي عملٍ عربي مشترك تغلب علينا النزعة العاطفية.. وكأننا نستعيد أمجاداً حماسية هي في عرف العقلانيين ضربٌ من الخيال.. فتبقى شعارات وأمنيات الشعوب العربية صعبة التحقيق.. في ظل تعدد مظاهر الصراعات وتجذر التبعية.. وتعميق الخلاف داخل أروقة الجامعة العربية.
لقد أكدت التجربة التاريخية لمسيرة الجامعة العربية.. أنها لم تستطع الخروج من برقع الإملاءات والضغوطات الخارجية لتواكب التحولات الدولية والإقليمية.. وتقف في مواجهة التيارات المعادية لها.. لكن يظل سيل التساؤلات حول أنجع السبل لإصلاح حال الجامعة العربية.. وتفعيل دورها العربي المشترك.. لا يعدو تكراراً لتساؤلات طالما طُرِحت على طاولات مستديرة..! فهل نتباكى.. أم ننتظر اليوم الذي تفرض فيه الجامعة العربية شروطها المنبثقة من رغبات وآمال وطموحات الشعوب العربية..؟ ربما يشهد المستقبل تحركاً فاعلاً. بدءاً من ممارسة دور فاعل لإنقاذ سوريا من حمام الدم ومن القتل بدم بارد.