الصبر خلق حميد، وفضيلة يحتاجها الإنسان لدينه ودنياه. والإنسان السوي يجب أن يوطن نفسه على احتمال المكاره دون جزع وتململ، وانتظار النتائج مهما تأخرت، ومواجهة أعباء الحياة مهما ثقلت، بثبات وتعقل وحكمة.
(الصبور) من أسماء الله الحسنى، فهو يتمهل ولا يتعجل، ويبطئ بالعقاب إذا أسرع الناس بالإثم.
الأنبياء جميعهم صبروا على البلاء، أُثقلوا بالآلام فلم يضيقوا بالأرض ولم يتنكروا للسماء، لم يفقدوا صفاء دينهم بفقد صفاء دنياهم وعظم مصائبهم. فهذا أبونا آدم عليه السلام دفعت الغيرة والحسد ابنه قابيل لقتل أخيه هابيل، فهاجت نفس الأب حزناً لفقد ابنه، وإشفاقاً لشقاء الآخر، ومع ذلك صبر. وهذا نوح عليه السلام مكث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين، وكان صابراً على أذاهم، صامداً لاستهزائهم. وقد أشجاه الهم، وغلبه الوجد على ابنه وزوجه اللذين كانا مع القوم الهالكين. وهذا هود لم ييأس من قومه (عاد)، الذين عاشوا في فوضى لا وازع لهم ولا رادع. وصالح عليه السلام أضمر له قومه (ثمود) ولأهله القتل، وصبر على أذيتهم. وإبراهيم ابتلاه الله في أبيه وقومه والأقوام التي نزل عندها وفي زوجه وابنه، ولم تزده المحن إلا صبراً وليونة في القلب. وإسماعيل الذي امتثل لأمر الله، وبادر بطاعة الوالد رغم عظم الأمر، وكان من الصابرين. ولوطاً وصبره على قومه ونفوسهم الظامئة للإثم، الخارجة على الفطرة. ويعقوب الذي صبر حتى ابيضت عيناه من الحزن، ويوسف الذي كلما خرج من محنة دخل في غيرها، وشعيباً واستهزاء قومه به، وموسى وداود وسليمان ويحيى وعيسى ونبينا الكريم عليهم الصلاة والسلام كلهم صبروا، لم يجزعوا، ولم ييأسوا.
والتريث والصبر والانتظار تتفق مع سنن الكون، فالزرع لا ينبت بعد البذر مباشرة، والجنين لا يظهر للوجود إلا بعد تسعة أشهر، والله خلق السماء في ستة أيام، لهذا إذا لم نصبر لَكوانا الزمن بنار الجزع. والصبر من عناصر نضج الشخصية وهيمنتها على ما حولها، وأثقال الحياة كثيرة لا يطيقها المهازيل، ومع كل هذا فنحن لا نصبر!.
- الرياض