لم أر في حياتي مساحات شاسعة وتستوعب كميات مروعة من الأحزان مثل هذا المدعو (الصدر)، مساحة تصول فيها خيول الهم وتجول.
يذوب فيها الأمل، وينوب عنه الألم، يتقلص الرجاء، وتتسع دائرة العناء، ويبقى الحنين يؤرقنا، وتصبح أنفسنا حبيسة الأنين، وبيوتنا، وهذه الجدران كأنها (مقابر الأحياء) وفي لحظات الذروة من الألم، وحينما يتسلقك الصقيع، تجد نفسك تتمتم ما قاله الشاعر بدر السياب:
(يا رب .. ما دام الفناء
هو غاية الأحياء، فأمر يهلكوا هذا المساء)
- يا لهذا الصدر.. وعاء يستطيع استيعاب كل الأشياء، خارطة وجع هو هموم عقود من الزمان لا زالت تسكنه، وها هو يفتح ذراعيه لاستقبال المزيد، لكأنه مفازة تتكئ فيها أحزان عمر، بات يطربها النشيج ولا تأبه بالجديد، كأنه يؤنسها وتجد فيه سلوى تبدد وحشتها.
- استمرأت الكدر فلا يضيرها تراكمه، فمن ابتلع هموم عمر، لا تعجزه لقيمات أخرى مثل سطوة حبيب، أو غدر صديق، أو بقايا ذكريات، ومخلفات أمكنة.
وفي ذروة الألم، تسمع داخلك صوت مريب
يحدثك بأن (خُطّ لحدك واثوِ فيه إلى النشور)
- وتتوالى الأحزان، وتمضي بنا سفينة الحياة، تحمِلنا، وتحمل أوجاعنا
- عمرا.. لا أدري.. مضى أكثره أم أقلّه
- حلما.. لا أدري.. أرجوه أم أملّه
لكن شعورا سرى في شرايين القلب فأنبت زهرة وفلّة
فعاودني الرجاء
وراودني الحنين
وعاد الأمل يقذفني في دروب الحياة
آخر الكلام
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.