استمراراً لمقالي المنشور بتاريخ 8 يناير المتعلق بمستشفى القوات المسلحة، أواصل طرح رؤيتي حول توسعات المستشفيات الضخمة. عندما ينشأ مستشفى بسعة محددة فإن إنشاءه يتم وفق معايير وحسابات هندسية ووظيفية متقدمة (أو هكذا يفترض) تراعي المساحة المخصصة للبناء وحركة المرضى والزوار والموظفين وحجم كل قسم إلى الآخر وفقاً لطبيعة المستشفى وتخصصاته.. الخ. وفي بعض الحالات يكون هناك مراعاة لاحتمالية التوسعات التي قد تحدث أو التغييرات التي تحدث في طبيعة المستشفى بنسب محدده، خمسه بالمائة مثلاً.
ما يحدث حالياً بكثير هو التوسعات الغير مدروسة بشكل كاف، والتي تأتي في الغالب وفق اجتهادات القيادات الطبية. على سبيل المثال يؤسس المستشفى وفق سعة 500 سرير ثم يتم زيادتها إلى 1000 سرير بإنشاء أبراج ومباني إضافية. والخلل هنا هو عدم التوازن الذي يتم إحداثه حيث إن توسعة الأسرة ليست كل شيء بالمستشفى دون توسعة في الأقسام الفنية والمساندة وفي دراسة حركة المراجعين والموظفين وفي تحمل الإنشاءات الأساسية، الخ. ويمتد الخلل إلى الجانب الإداري حين تتم التوسعات دون تغيير في آلية الإدارة والتنظيم ويقود الأمر إلى ضغط في بعض الأقسام على حساب أقسام أخرى وتحول بيئة العمل المكانية والإدارية إلى مصدر ضغط على العاملين والمراجعين وحتى البيئة المحيطة سواء من الناحية الجمالية أو من الناحية الوظيفية والعملية. ليس فقط التوسع الغير مؤسس يخل بالعمل بل كلك تغيير طبيعة تخصصات المستشفى، حيث إن لكل تخصص طبيعته وخدماته المباشرة والمساندة التي قد تختلف من تخصص لآخر فالمستشفى التخصصي تختلف حركة تدوير السرير فيه عن العام وتختلف طبيعة أقسام المختبرات والأشعة والتأهيل والصيدلية والعمليات وغيرها...
الغريب أنه بالرغم من إقدام غالبية مستشفياتنا على التوسع الذي لا نراه إيجابياً لا زلنا نؤسس مستشفيات صغيرة الحجم لا تتجاوز ثلاثمائة سرير بمناطق ذات كثافة سكانية حالية أو مستقبلية تتطلب أكثر من ذلك، ولا زلنا غير قادرين على تحديد طبيعة المستشفيات المطلوبة بكل منطقة مابين عامه وتخصصية. ويمكن الاستدلال على ذلك بما يعلن من مستشفيات جديدة أو بما يحدث من التغيير في سعة المستشفيات وطبيعتها حتى قبل الانتهاء من بنائها.
من هذا المنطلق أرى أن التوسعات الكبرى التي تحدث بمستشفياتنا تؤثر على مستوى الخدمات الصحية المقدمة من قبلها وتعقد أمور تشغيلها وإدارتها. وأرى بإعادة الحسابات في التوسعات الضخمة التي تحدث بمنشأتنا الصحية والاكتفاء بأحجامها الأساسية التي أسست عليها. وإنشاء الجديد منها وفق قياسات معقولة منذ البداية. التوسع يجب أن يحدث عبر مراكز جديدة، وليس عبر توسعة ما هو قائم بهذا الشكل المبالغ فيه.
المطالبة بعدم التوسعات الكبرى لا يلغي أهمية فكرة الدمج الذي سبق أن طرحته ويتمثل في بالنسبة الدمج الإداري لعدة مؤسسات تحت منظومة ونظام صحي موحد، لضمان التكامل بين تلك المؤسسات وتقليص الازدواجية في بعض الأعمال المشتركة وتوحيد الجهود في الجوانب المشتركة كجوانب الشراء والتدريب وغيرها، بما يحققه ذلك من تقليص للكلفة والهدر.
للأسف لدينا خلل في التخطيط وفي القدرة على تحديد احتياجاتنا الحقيق كما أنه لدينا ضعف في التكامل بين الخدمات واستسهال القيام بالإضافات والتعديلات الغير متقنة. يقال بأن قيادتنا الصحية أصبحت خبيرة في البناء والتشييد أكثر من خبرتها في تطوير الأداء والجودة والكفاءة الصحية! وأصبحنا نشك في أن التوسعات الإنشائية تحدث لتغطية العجز عن رفع الكفاءة والجودة، بما يحمله ذلك من بريق إداري وجلب للميزانيات الضخمة...!
malkhazim@hotmail.com