ما إن وصلت مطار الرياض بعد عودتي من المدينة المنورة وقد أكرمني الله بزيارة مسجده الحرام وتفضّل علي بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه وصحبه في ضيافة كريمة من الجامعة الإسلامية إلا وشعرت بآلام مبرحة اضطرتني للتوجه إلى المستشفى دون المرور ببيتي.
مضى على ذلك المساء الموافق يوم الخميس 20 ديسمبر إلى اليوم 10 يناير 2012 ما يكاد يقارب على ثلاثة أسابيع أمضيتها يوماً يوماً وليلةً ليلةً بمستشفى مدينة الملك فهد الطبية. ثلاثة أيام منها كانت بقسم الطوارئ التي لم يكن ليلها ليلاً ولا نهارها نهاراً، أعان الله العاملين بها من أطباء وكوادر طبية مساعدة، وأعان الله مرضاها جميعاً وخاصة ممن تضطرهم حالتهم الصحية مثلي لانتظار طويل ممض على حافة نقّالة طبية ريثما يتوفر سرير بالجناح الخاص بالحالة. أما بقية المدة فقضيت نصفها في قسم العزل الصحي للمراقبة القريبة بواسطة أجهزة دقيقة تصفر بإزعاج ليس منه بد, وفيه تمنع المرافقة لأي كان من الأسرة ويقوم على كل مريض ممرضة خاصة به وإن كانوا قد اضطروا لحشري بعنبر الرجال مع وجود الحواجز بطبيعة الحال تكرماً منهم نظراً لعدم وجود شاغر بمعزل النساء. أما بقية المدة إلى الآن فقد نجح أطبائي الاستشاريون د. ماجد الحميد ود. فهمي السناني مع مساعديهما د. مبارك الدوسري ود. تهاني جمالي من نقلي لغرفة مفردة صار بإمكاني فيها أن أطالع الصحف وأتابع الأخبار وأستقبل المكالمات كلما سمحت حالتي مع استقبال القليل بقدر الإمكان من الزوار. مع ما كان في متابعة الأخبار من صب الزيت على جروحي الطرية على مستوى الأخبار الجارحة في سوريا وغيرها.
غير أن مما يذكر هنا أن وجودي غير القصير نسبياً بالمستشفى قد شكَّل تجربة تعليمية عن واقع الصحة في هذه المدينة وهو واقع يحمل على التفاؤل بوجود أمل لواقعنا الصحي في النهوض دون أن يخلو ذلك من وقفات نقدية ضرورية مما أؤجله ومزيداً من الحديث عن التجربة لحين اكتمال التصور بالبحث الموضوعي. على أني - والشكوى لله- لم أجد القدرة البتة على الالتزام بمقالي الأسبوعي. ومن هنا فقد أسقط في يدي اليوم وقد تغيّبت عن الكتابة عدة أسابيع فقرّرت أن أسرّب قصائد من عمل شعري أعكف عليه من مدة بعنوان «تراجيع رابعة». وهذا بصيص منها:
إبتهال الأمل
إلهي ومولاي وموئلي
امنحني
أملا طووووووويلا لا أمد له
أملاً فتياً لا يطعن في العمر ولا يشب على ريعان الصبا
أملاً لا يجوع ولا يعطش
ربي
أبتهل إليك
أريد
أملاً لا يشتكي ولا يمل
من طيشي ورعونتي وسوء حظي
أملاً أمد له يدي على مد البصر
أملاً ألمسه بحواسي وحدسي
أملاً يا خفي الألطاف
يتلطّف بهيامي وشقاوتي ووجدي
أرفع عنقي نحوه فيقبل القمر جبيني
وتشب النجوم في أطراف شعري
إلهي أريده أملاً جباراً عنيدا
ألهو به عن الهوى
وأداعب بشوكه حرير يأسي
إلهي إليك المشتكى
فلا تخيب أملي
ومولاي وربي
***
دعاء القنوط
يا رافع السموات السبع بلا عمد
ارفع عن كاهلي ما يقض مضجعي من مكابراتي
يا معمر الأرض بلا قواعد
أعمر ما هدمته بيدي من آمالي
يا مسدل سواد الليل
أعطني عيوناً لظلاماتي
يا فالق بياض النهار
ارزقني قلق الضمير
يا معلم آدم الأسماء
علّمني ما يهتك أستار جهلي
يا ظاهر
لا تخفي عني عيوبي
يا باطن
لا تنزع مني غبطة الغموض
يا أول
لا تأخذ أحلامي قبلي
يا آخر
لا تؤجلني بعد مشيبي
قوّني على وهن عظامي
وجموح روحي
أنصفني من ظلمي
جرأني على جبني
انتقم لي من ضلالاتي
اسقني كؤوس اليقين
اكسني قمصان التقوى
لا تدع غروري يغرر بقلبي الغر
سيدي وملاذي
أدخلني مدخل صدق
وأخرجني مخرج صدق
اللهم أبدلني ثمل الشك
بنشوة الإيمان
واغفر لي
اغفر لي
اغفر لي
***
نجوى المشتاق
يا مقلب القلوب
يا محرك الأجنة في أحشاء الحبالى
يا رافع وخافض
الأهداب
اهديني حبك
أشغلني بمناجاتك
أوصلني بالانقطاع إليك
آنس وحشتي بأسمائك الحسنى
اكسر عزلتي بملكوت عزك