حينما تذكر إذاعة الرياض يرتبط الذهن بلا تردد بمديرها العام الأستاذ سعد بن محمد الجريس، الذي كافح ونافح من أجل أن ينهض بها إلى قمم عالية تجعلها في مصاف الإذاعات العالمية المحترفة، وقد عملت فيها قديمًا عدة سنوات، وأعرف إمكاناتها المتواضعة جيدًا، ودخلتها في الآونة الأخيرة مما جعلني اندهش وأقف إكبارًا للقائمين عليها، فقد نهضت في حقبة قصيرة لتطالها رياح التغيير إلى الأحسن، سواء في التحسينات التي طرأت على مبناها، بردهاته وأروقته المتعددة، أو بتقنيته العالية سواء في البث، أو في النقلة النوعية في استوديوهات الإذاعة، أو في الكوادر والكفاءات التي تم استقطابها للإذاعة، أو في التأثيث الرائع الذي تحلت به هذه الإذاعة، أو بالنشاط المتواصل بين الزملاء بقيادة الزميل القدير سعد الجريس.
وعندما نعرف بأن إذاعة الرياض لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بجد واجتهاد، وتفانٍ، وإخلاص، فإني أبرهن على ذلك بالجوائز التي حصلت عليها هذه الإذاعة في ظرف سنوات بسيطة في عهده سواء كانت ذهبية أو فضية أو برونزية، في وقت مكثت الإذاعة قبل عهده عقودًا عديدة لم تحصل فيها على ميدالية واحدة!!
إن صناعة المجد لا تأتي بالأقوال ولا بالتنظير فقط!! ولكن تأتي بتطبيق الرؤى الصحيحة، والاستفادة من الخبرات، وصب جميع هذه وتلك في بوتقة عمل دؤوب يخرج من خلال فريق عمل ناضج صقلته التجارب، واستفاد هذا الفريق من تجارب الآخرين، فبلورها وعروضها في نتاج رائع يبهر الجميع!!
إن شخصية كشخصية سعد الجريس عندما ينوي أن يترجل عن منصب مدير عام إذاعة الرياض فإن له قناعاته التي يستأثر بها لنفسه، ومن حقه ألا يطلع عليها أحد، بالإضافة إلى ظروفه الصحية التي كان للإذاعة في نظري جانب من ذلك فألقت بظلالها عليه!!، فهو بحق يُعدُّ مكسبًا حقيقيًا في مجال العمل الإعلامي بشتّى أنواعه، واختلاف طرقه، وتنوع مشاربه!! وقد نجتمع معه في وجهات نظر، ونختلف معه في أخرى، ولكن يظل هذا الرجل شامخًا كالجبل الذي لا يمكن أن تؤثر فيه الرياح العاتية مهما هبت، ومهما حاولت أن تغير من قناعاته الشخصية حول أمور إعلامية شتّى وضع لها إستراتيجيتها واختط لها منهجًا معينًا!!
ونأمل في أن يتبوأ مكانًا أفضل مما كان عليه، فقدرة وطنية مثله يجب ألا تغيب عن الأنظار مهما كانت الأسباب!! فعطاؤه، وإخلاصه، ومواطنته، وكفاحه، وحرصه، ودماثة خلقه، جعلت منه شخصية فريدة في العمل الإعلامي، ومحبوبة على الصعيد الشخصي، والصعيد العملي.
إذ إن الكفاءات الإعلامية لا تولد، وإنما تصنع لنفسها طريقًا حفه الشوك من كل صوب، واختارت أن تختط لها طريقًا وعر المسالك، كي تقدم رؤية جديدة في صناعة العمل الإعلامي، وقدمت إستراتيجية منهجية تحاول أن يطبقها الجميع!!
تلكم أعزائي سعد الجريس الذي أضفى على العمل الإعلامي رونقه، ومنحه فكره، وتتلمذ على يديه العديد من الإعلاميين البارعين فهو نجم أضاء سماء الإعلام محليًا وعربيًا، ونقش اسمه بمداد من ذهب في ذاكرة التاريخ!! وحاول أن يترجل مرارًا عن هذا المنصب، ولكن هكذا ما أردنا قوله، وهكذا أراد أن يترجل هو وبقناعته الشخصية عن هذا المنصب، وبهذا القرار!! دمتم أعزائي ودامت أوقاتكم.