كل من يعرف عقلية الاستكبار والعلو في الأرض بغير حق التي يتمتع بها طوائف من بني البشر يأتي في طليعتهم في زمننا النظام الحاكم في سوريا اليوم يعلم أن المبادرة العربية محكومة بالفشل بل وكل مبادرة أياً كان مصدرها.
فالنظام السوري الذي يقتل الأطفال والنساء والشيوخ ويتفنن في تنفيذ جرائمه ويدير آلة الموت والقمع في كافة البلاد السورية لكي ينال من إرادة ومعنويات الأمة السورية هذا النظام لن يستجيب لمطالب الشعب ولن يحقق الحوار أو التفاوض معه أي نتيجة إلا مزيداً من الدماء وأشلاء الشعب السوري المضطهد، ذلك أن الثوار وممثليهم في المجلس الوطني يملكون قيماً ومبادئ أخلاقية وإنسانية على ضوئها يتحركون ويتعاطون مع المنظمات الإقليمية والعالمية وفي المقابل نجد أن النظام السوري منسلخ من كل القيم العربية والإسلامية والإنسانية هذا هو الشر الذي يفسر لنا ما قد يراه البعض نوعاً من قوة النظام.
هذا النظام الذي أصبح عاراً على الإنسانية فضلاً عن الإسلام والعروبة إن الثورة مستمرة ومنتصرة منذ أن سقط أول شهيد في درعا.
لقد كانت المبادرة العربية شعاراً بلا مضمون ولا هدف ولا آلية تنفيذية، فهي مجرد حفظ ماء وجه العرب الذي لم يعد يحتمل الندوب من كل حدب وصوب، ولا نريد أن نذهب إلى أبعد من ذلك، فنقول إنها كانت غطاء سياسياً.
وإضفاء نوع من الشرعية على الجرائم البشعة التي ارتكبتها كتائب شبيحة بشار طيلة أكثر من عشرة أشهر!
إن منطق العقل والحكمة يقضي بترك ما لا يستطاع والتوجه إلى فعل ما يستطاع، فالشعوب العربية والإسلامية تؤيد وتقف مع الشعب السوري الثائر على النظام اللا إنساني في سوريا، فبإمكان الجامعة العربية تحقيق إرادة شعوبها وذلك بالاعتراف بالثورة السورية وبممثليها الشرعيين وحجب الثقة عن النظام القاتل في سوريا فلن يكون الأمر أسوأ مما هو عليه الآن بل في هذه الخطوة قطع للطريق على من كشروا عن أنيابهم وأخذوا يعدون السيناريوهات ويحسبون الأرباح والخسائر وفي مقدمتهم حكومة طهران وإسرائيل.
إن بعض الحكومات التي تقف مع النظام السوري يجب أن تعلم أنها تقف ضد الحق وضد إرادة شعوبها، ولتعلم أنها ليست بمأمن من أن تواجه نفس المصير الذي يلقاه بشار وأعوانه اليوم، ولتعلم أنها ستفقد مصداقيتها وتسيء إلى تاريخها إن كان لها تاريخ لتعلم الجامعة العربية أن مصداقيتها هي الأخرى على المحك والاختبار أمام التاريخ والشعب السوري المظلوم والشعوب العربية، فإما أن تكون بحجم المرحلة وإما إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم.
أما هيئة الأمم المتحدة فإنه إن كانت عجائب الدنيا سبع كما يقال فهذه المنظمة هي الثامنة، وذلك لمواقفها المتقلبة ولتفريها بين المتماثلات وتسويتها بين المختلفات بما لا نظير له في عقل ولا دين.
يعلم الجميع أن هذه الهيئة جدران إسمنتية وصفائح من حديد لكن الروح والعقل الذي يحركها ويسيرها يجب أن يعلم أن مقولة (سوريا مختلفة عن الآخرين) مقولة حقيقية وإن كان لكل فهمه لهذه الحقيقة وبالتالي فإن تعدد الوجوه والألسن في معالجة هذه القضية لن ينطلي على الشعب السوري وثورته المباركة، وعلى الأمم المتحدة والعالم بأسره أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية تجاه الشعب السوري الذي يذبح كل يوم، فإن لم يقوموا بذلك فليعلموا أنهم يساهمون بطريقة جدية بتحقيق نبوءة زعيم القاعدة بانقسام العالم إلى فسطاطين، فهل يتحملون تداعيات ذلك الأمر.
ذلك أن الالتفاف على الثورة السورية وإجهاضها سيكون سبباً حتمياً ومؤكداً لإثارة الرأي العام العربي والإسلامي لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ليس في سوريا وحسب بل في سوريا والعراق ولبنان بل حتى فلسطين فهل يستطيع العالم تحمل تداعيات هذا الأمر.
أستاذ مساعد بكلية الملك خالد العسكرية