لا أعرف كيف ذكرني ما حدث في ملتقى المثقفين من تراشق حول الاختلاط وما أدراك، بما يحدث في مصر الآن، بعد أن نالت الأحزاب السلفية أغلبية مقاعد البرلمان المصري، وبدلاً من أن تتركز أحاديث هذه الأغلبية حول المتطلبات الضرورية لأي ثورة، كالعدالة الاجتماعية والخصخصة والتحالفات الإقليمية والتعليم ووأد الفساد وغيرها، انصرف هؤلاء إلى قضايا فرعية كالحجاب والمايوه والمشروبات وغيرها.
وهذا ما حدث لدينا، فبينما كنا نتنقل بين المواقع والمنتديات، وننتظر الأخبار عن إستراتيجية جديدة، وخطط تنفيذية، تنقذ الحالة الثقافية المتردية في الداخل، لم نجد شيئاً يذكر، وبينما تتبعت مثل غيري من الأدباء والمثقفين، صفحة «ملتقى المثقفين» في تويتر، أنشأها الزملاء في وزارة الثقافة والإعلام، فوجئنا بتحويل موضوع جذري يتعلق بالثقافة وتطويرها، وتفعيل أثرها المجتمعي، عبر مناقشة أزمة الرقابة على الكتاب، وتهميش المسرح، وتحريم السينما وحظرها، وتأسيس إستراتيجية فرعية تخص النهوض بثقافة الطفل، تأليفاً ونشراً ومسرحاً، كل هذه الأحلام تبخرت بعدما انصرف القوم إلى إثبات (الخزي والعار) أو عدمه في بهو الفندق الذي ضم ضيوف الملتقى من مثقفين ومثقفات، وكأنما ثمّة قصد إلى تغيير بؤرة الهدف من الملتقى، وكأنما غُرر بنا بغتة، بل زُج بالجميع في صراعات هامشية لا تختلف عن صراعات السلفيين في مصر، وهم من ينتظر منهم دور إيجابي في تفعيل أحلام الثورة المصرية!.
يقول صنع الله إبراهيم في وقفته الشهيرة حينما رفض جائزة الرواية التي تمنحها وزارة الثقافة المصرية: «لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم... لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات... وصندوق أكاذيب» وهو ما زال يرى أنه ما زال صندوق الأكاذيب موجود حتى في زمن الثورة الآن، بل كأنه يقول: إنه موجود في كل بلدان العالم، وهو صندوق سرّي طبعاً، مهم للغاية، يتم استخدامه عند الحاجة.
سؤالي الذي يجلب الحيرة لي، وأنا أتأمل ملتقى المثقفين عن بعد، ما الذي صرف بوصلة الحلم لديهم، إلى أن يثبتوا بأنهم كانوا مؤدبين جداً في الصف، ولم يحدث ما يخدش الحياء، بدلاً من أن يجادل هؤلاء في تحقق أمور تثقيف المجتمع عبر وسائل التنوير المعروفة والمعطلة إلى حد ما: الكتاب، المسرح، السينما، الموسيقى، التشكيل، وغيرها؟
أعتقد أن على المثقفين الذين حضروا الملتقى وشاركوا فيه، أن ينفضوا الآن أيديهم من الكلام الفارغ والصراعات الجانبية، وأن نقرأ رؤاهم وأفكارهم المستنيرة، حول ما يجب أن يحدث في البلاد، سواء عبر المقالات في الصحف، أو في المنتديات، أو حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الفيس بوك وتويتر.
عليهم أن يطالبوا بتوطين الكتاب بدلاً من هجرته إلى الخارج، ثم عودته مستورداً، أن يصبح المسرح عملاً يومياً حرّاً، يناقش قضايا الناس وهمومهم وأحلامهم، أن يعود شباب السينما الذين احتضنت أعمالهم الدول المجاورة إلى البلاد، أن يتنحى الرقيب الذي جعلنا متأخرين في مجال الطباعة والنشر، أن تصبح بلادنا المكتظة بالمبدعين والباحثين والمثقفين هي المكان الأنسب للإبداع والبحث الحرّ، أن تكون الثقافة، بمعناها الواسع، همّاً يومياً لدى الجميع، لأنه مهما تطورت البلاد في مظاهر البناء والطرقات والخدمات ستبقى متخلفة عن العالم دون تطور الإنسان ذاته!.