ما زلنا لا نعرف كيف نستثمر المباريات الاحتفالية الوداعية في جانبها الفني، خاصة إذا كان الفريق الضيف أحد فرق المقدمة في العالم، وطالما أن أنديتنا تدفع تكاليف طائلة في سبيل استضافة هذه الفِرَق، وتشترط قدومها مع نجومها اللامعين؛ فالأولى - والأمر كذلك - أن يعود اللقاء بفائدته الفنية على فِرَقنا مضافاً إلى ذلك الفائدة النفسية الإيجابية التي تنعكس على نفوس لاعبينا وهم يخوضون المباراة بجوار كبار النجوم العالميين.
هذه توطئة للحديث عن مباراة اعتزال النجم الكبير محمد الدعيع في مواجهة نجوم الجوفنتوس أمام الهلال، وأقول الهلال تجاوزاً، وإلا فإن كمية اللاعبين الذين شاركوا في تلك المباراة، والتغييرات الكبيرة التي حدثت، هي التي أخلت بالفائدة المرجوة والمبتغاة، وهي التي أدت إلى تلك الهزيمة الكبيرة.
أعرف أن نتيجة فوز الجوفنتوس في مباراة تكريمية ودية لا تُعتبر كبيرة؛ لأنها لا تعتبر مباراة جادة أو مباراة رسمية، هذا صحيح، لكن كان من الأولى ألا يتم العبث بشعار واسم الفريق الهلالي حتى ولو على سبيل المجاملة والتكريم.. فهذه سمعة الفريق التي يجب أن تراعَى وتُصان حتى في المعتركات الودية.
ويجب لاحقاً أن توضع معايير لمثل هذه المباريات، ويُفترض أن يحدَّد سقف لعدد المشاركين في المباراة، كما يُفترض أن تكون مشاركة لاعبي الفرق الأخرى واختيارهم من صلاحيات المدرب، حسب احتياج فريقه، وألا تُترك هذه المهمة للاعب المكرَّم؛ لأن سمعة الفريق أهم من مجاملة اللاعب الذي يتم تكريمه ومجاملته على أكثر من صعيد (مادياً ومعنوياً)، لكن مهابة الفريق وسمعته يجب ألا تُعرَّضا للاهتزاز على نحو ما حدث في مباراة تكريم الدعيع.. وإذا أراد المكرَّم أن يجامل زميلاً له بحكم المحبة والعلاقة الشخصية فيكتفي بدعوة اللاعب ولبسه فانلة الفريق وتصويره مع المجموعة، وأعني هنا المدعوين من النجوم الذين هجروا الكرة أو هجرتهم؛ فصارت مشاركتهم مخاطرة مثلما حدث من مشاركة أحمد الدوخي أو إلياس أو غيرهما من اللاعبين المنتهية صلاحيتهم في الملاعب.
ما حدث أمام الجوفنتوس يمكن أن يعرف بأنه لقاء بين أصدقاء الدعيع والجوفنتوس، وليس الهلال، الذي هو أكبر وأقدر على مجاراة الضيف لو كانت التغييرات مدروسة ومحسوبة بقدر لا يهشم انسجام الفريق، ويعرضه لمثل تلك النكسة، ولو بشكل ودي. ولك أن تتخيل كيف يصبح وزن الفريق في ذهن لاعب ما زال في طور النشوء والارتقاء؟ بمعنى آخر: كيف يرى لاعب مثل عبد العزيز الدوسري وسالم الدوسري وشافي الدوسري ومحمد القرني أو حتى ياسر الشهراني فريقه أو فريق الهلال وهو يتلقى مثل هذه الهزيمة الباردة من جوفنتوس؟ إنه سيشعر في دواخل نفسه بأن الفروقات الفنية الكبرى هي التي خلقت هذه الهوة، وتسببت في هذه النتيجة، وسيظل مثل هذا الناشئ الصاعد يكبر، ويكبر في داخل نفسه شعور بأن فريقه الهلال وبالتالي المنتخب أقل قدرة وشأناً من مجاراة مثل هذه الفِرَق.
إن مثل هذه المباريات بنتيجة كهذه تخلق حالة من الشعور بالدونية في نفوس النشء، في حين كان الأولى أن نزرع في نفوسهم الحماسة ومن ثم القدرة على مقارعة الفرق المتقدمة، إلا أننا بذلك نحبطهم، ونكبت في نفوسهم التطلع للأعلى.
كانت كل مباريات التكريم الهلالية السابقة أفضل من حيث المكسب الفني والمهاري الناتج من احتكاك الشباب بلاعبي الخبرة والنجوم أمام فرق عالمية عتيدة، كريال مدريد أو مانشستر يونايتد أو فالنسيا وغيرها.
الخلاصة هي أن نكرِّم اللاعب المعتزل بما يكفل لنا تعزيز أهمية أن تكون للاعب مسيرته الرياضية التي تجعله مستحقاً للتكريم، وبما يحفز اللاعبين المبتدئين على انتقاء أثر المكرَّمين، لكن بما لا يخل بمهابة وهيبة النادي من خلال مباراة استعراضية مرتجلة كما حدث للهلال أمام فريق اليوفي.