كان مما تناولته الحلقة الأولى من القراءة في هذا الكتاب ما ذكر في الفصل الأول، الذي جُعِل مقدِّمة له، إيضاح مكوِّنات الشعب السوري؛ مسلمين سنّة يكوِّنون الأغلبية الساحقة، وأقليات دينية مشتملة على دروز وعلويين وإسماعيليين، ومسيحيين من الأرمن الأرثوذكس، وأقلِّيات عرقية مشتملة على أكراد وأرمن وتركمان وشراكسة. وتبيان التوزيع الإقليمي، أو المكاني، للمجموعات الدينية والعرقية.
ومما ذكر في هذا الفصل (المقدِّمة) أنه تم عمداً في عهد الانتداب الفرنسي تحريض الولاءات الطائفية لمنع ظهور القومية العربية، أو الحد منها، وتشجيع ظاهرة الانفصالية بين الأقلِّيات الدينية والقومية جرياً على سياسة (فرِّق تسد)، وأنّ الفرنسيين - لذلك - قاموا بتجنيد فصائل خاصة من العلويين والدروز والأكراد والشراكسة ليشكِّلوا ما عُرف باسم القوات الخاصة للشرق الأدنى، التي عملت لخدمتهم.
أما الفصل الثاني من الكتاب فعنوانه: «ظهور الأقليات في القوات المسلحة وحزب البعث». ومما أشير إليه فيه اتضاح الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في الحياة السياسية السورية؛ لا سيما في حزب البعث منذ أن تولَّى السلطة في البلاد عام 1963م. وكانت الحركة القومية العربية دائمة الامتزاج مع عقيدة إسلام أهل السنّة، كما أنّ العرب السنيين، الذين كان لهم الدور البارز في تلك الحركة، أسندوا دوراً جوهرياً في عروبتهم للإسلام السنِّي. وبعد عام 1963م تضاءل تعاطف العرب السنّة مع الحزب؛ لا سيما في دمشق وحماة. والواقع أن كون الكثيرين من البعثيين الأوائل كانوا الأقلّيات وأبناء الريف قد شكّل، فيما بعد، عائقاً اجتماعياً أمام انضمام أبناء المدن والسنيين إلى البعث، وذلك بسبب التناقضات بين المجتمعات الريفية والمدينة وبين السنيين والأقلّيات الدينية.
وبعد أن تحدث المؤلف عن الصراعات داخل حزب البعث في فروعه المختلفة في سوريا انتقل للحديث عن أعضاء الأقلّيات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963م. فتكلم عن أولئك تحت الحكم الفرنسي لسوريا بين عامي 1920 و 1946م وبيّن أنّ الفرنسيين في الوقت الذي شكّلوا فيه قوات خاصة من الأقلِّيات الدينية والعرفية لم يشجعوا غالبية السنيين السوريين على الالتحاق بالجيش خوفاً من أن يكونوا خطراً على وضع الإدارة المركزية. على أنّ العائلات العربية السنية الثرية ذات النشاط التجاري، التي قادت الحركة القومية العربية أثناء الاحتلال الفرنسي، شجعت - بصورة غير مباشرة - وجود أعضاء الأقليات في الجيش، وذلك برفضها إرسال أبنائها للتدريب العسكري لأنه لاح لها أنها تخدم المصالح الامبريالية الفرنسية، كما احتقرت، في كثير من الأحيان الجيش مهنة، واعتبرت الكلية العسكرية بحمص مكاناً للكسالى أو المتخلِّفين أكاديمياً أو المغمورين اجتماعياً. ومما ساعد في إبراز التمثيل القوي لأعضاء الأقلِّيات في الجيش أنّ كثيراً منهم كانوا فقراء، فرأوا أنّ السلك العسكري فرصة لتسلُّق السلّم الاجتماعي والتمتُّع بحياة أكثر رفاهية. ومما ساعد على ذلك، أيضاً أنّ سكان المدن كان من اليسير لهم أن يتجنّبوا الخدمة العسكرية لتمكنهم من سداد رسوم الإعفاء عن تلك الخدمة.
وبعد أن تحدث المؤلف عن الأقلِّيات في الجيش السوري أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا، انتقل إلى الحديث عنها بعد استقلال تلك البلاد بين عامي 1946 و1958م؛ أي من الاستقلال إلى قيام الوحدة بين سوريا ومصر. وقد ذكر أنه اتضح بأنّ ما لا يقل عن 65% من ضباط الصف في الجيش حتى عام 1955م كانوا من العلويين، وأنّ أولئك بمجرّد أن يصلوا إلى مراكز قيادية كانوا يستدعون أقاربهم وآخرين من طائفتهم، ويساعدونهم في أن يقبلوا بالكليات العسكرية والبحرية والجوية.
أما في عهد الوحدة بين سوريا ومصر، 1958 - 1961م، فأسندت قيادة المناطق العسكرية أساساً لسنيين. لكن بعد عام من حدوث الانفصال أصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة السورية اللواء زهر الدين، الذي هو درزي. ويُدِّل معظم الضباط الدمشقيين السنّة بآخرين كثير منهم من الأقليات. وأما من عام 1963م فقد احتكر حزب البعث السلطة، وازداد عدد أعضاء تلك الأقلِّيات العلوية والإسماعيلية والدروز في سلك الضباط، وبُدِّل نصف المسرَّحيين البالغ عددهم 700 ضابط بعلويين، وأصبح صلاح جديد؛ وهو علوي، رئيس أركان الجيش، وحافظ الأسد قائداً للقوات الجوية. وكان فشل الانقلاب، الذي قام ضباط معظمهم من الناصريين فرصة للبعثيين في الحزب لإزاحة بقية أولئك الناصريين؛ ومعظمهم سنّة، من صفوف الجيش.
وعنوان الفصل الثالث من الكتاب «الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والأقلِّيات الدينية». ولهذا الفصل عناوين فرعية هي: التكتيل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية، والتمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية، وفشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك، والاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة. وبدت صور التمييز ضد السنيين في أمور منها وضع العقبات أمامهم للالتحاق بالكلية العسكرية ومراكز التدريب الأخرى، وفي حركة تنقلات الضباط داخل الجيش، فالذين هم من الأقلِّيات كانوا يكتَّلون في قطاعات الجيش المهمة سياسياً واستراتيجياً القريبة من دمشق، بينما ينقل السنيون إلى الجبهة السورية الإسرائيلية أو لحلب أو اللاذقية. بل إنّ تعيين ضباط سنيين، أحياناً، في مراكز عليا كان مجرَّد تكتيك لم يكن يعني التمتع بسلطة حقيقية. ومما ذكره المؤلف أن محمد عمران؛ وهو من الطائفة العلوية، قال: «إن الفاطمية يجب أن تأخذ دورها».
على أنّ الصراع داخل الطائفة العلوية نفسها أدى إلى إبعاد عمران نفسه. ومع أنه أُبِعد فإنّ الضباط العلويين البارزين في الجيش بقوا في مراكزهم. وفي طليعة أولئك صلاح جديد وحافظ الأسد. وكان من نتائج ذلك أن أبعد الرئيس أمين الحافظ، الذي هو سني، عام 1966م، بانقلاب عسكري كان من قادته الدرزي سليم حاطوم.
وأما الفصل الرابع من الكتاب فعن «تصفية الضباط الدروز داخل القوات المسلحة السورية». كان انقلاب 1966م موجهاً - بالدرجة الأولى - ضد القيادة القومية لحزب البعث. وقد شرح المؤلف كيف استأثر المسيطرون في الجيش من الطائفة العلوية؛ وفي طليعتهم صلاح جديد وحافظ الأسد، بالحكم، بحيث بلغت نسبة العلويين في الجيش خمسة مقابل واحد من جميع الطوائف الأخرى؛ بل أصبح الضباط العلويون متمسكين بعشيرتهم لا بعسكريتهم، وهمّهم حماية جديد والأسد. وفي نهاية المطاف أُبعِد الضباط الدروز الذين في الجيش السوري من مناصبهم، ومنهم من أُبعِد من الجيش كلية.
والفصل الخامس من كتاب الدكتور فان دام عن «الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية». وتناول فيه المؤلف التنافس بين صلاح جديد وحافظ الأسد بعد تصفية الفئات الأخرى في الجيش، أو تحييدها؛ وهو التنافس، الذي كان من نتائجه انتصار الأسد، وسيطرته على القسم المدني لحزب البعث كما سيطر على القسم العسكري من قبل. بل إنه أصبح أول رئيس علوي للدولة السورية خلافاً لما جرى عليه العرف بأن يكون الرئيس سُنِّياً.
وأما الفصل السادس من الكتاب المُتحدَّث عنه هنا فهو تحليل إحصائي عن «الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين». ومما ورد فيه أنّ استيلاء البعث على السلطة، عام 1963م، فتح الطريق أمام تغييرات سياسية اجتماعية اقتصادية عنيفة أصبحت تُولي اهتماماً لمصالح أهل الريف وأفراد الأقليات الدينية. وخلال الوحدة بين مصر وسوريا كان تمثيل السنيين في الوزارات 94.7% بحيث كان أقوى مما كان عليه قبلها أو بعدها. لكن ذلك التمثيل تغيّر كثيراً بعد عام 1963م. وبعد عام 1966م تمّت إزاحة آخر ضابط سني من حلب؛ وهو أمين الحافظ، وآخر الضباط الدروز؛ وهو سليم حاطوم، ولم يَعُد هناك تمثيل بالقيادة القطرية لحزب البعث للحورانيين أو للإسماعيليين. ومنذ عام 1970م اتضح اعتماد الأسد - إلى حدٍّ كبير - على ضباط من عائلته الشخصية أو عشيرته أو أبناء المناطق المجاورة لقريته.
وقد تناول المؤلف في الفصل السابع من كتابه مسألة «التحريض الطائفي ومواجهته». ومما ذكره، هنا، حدوث سلسلة من الاغتيالات السياسية بدأت بعد تدخُّل سوريا العسكري في لبنان عام 1976م. وكان معظم الذين اغتيلوا من العلويين، أما من اغتالوهم فمعظمهم من السنيين المتطرِّفين، الذين كانوا يسمُّون النظام الحاكم الكافر المعادي للإسلام. وكان من أسوأ حوادث الاغتيال ما حدث في مدرسة المدفعية بحلب حيث اغتيل أكثر من 32 طالباً عسكرياً وأصيب 54 معظمهم من العلويين. ونتيجة لذلك انطلقت حملة دعائية لاستئصال جماعة الإخوان المسلمين، كما انطلقت دعاية مضادة للطائفة العلوية من داخل سوريا وخارجها، ولاحت بوادر حرب أهلية طائفية. ومما تحدّث عنه المؤلف في هذا الفصل علاقة الطائفية بالفساد وغياب الانضباط الحزبي، والفشل البنيوي في كبح الطائفية.
وأما الفصل الثامن من الكتاب فعن «المواجهة الطائفية؛ والقضاء على الإخوان المسلمين». وكان من وسائل النظام الحاكم لتحقيق ذلك تسليح البعثيين المدنيين. وكان من نتائج ذلك تكوين الجبهة الإسلامية في سوريا وانطلاق الدعاية الدينية السنية ضد العلويين. وانتهى الأمر إلى أدمى مجزرة شهدها تاريخ سوريا الحديث في حماة عام 1982م. وكان في مقدِّمة من قاموا بالمجزرة وحدات من سرايا دفاع رفعت الأسد بقيادة المقدم العلوي علي ديب، ووحدات من القوات الخاصة التابعة للواء العلوي علي حيدر، واللواء المدرع بقيادة العقيد العلوي نديم عباس، ووحدات المخابرات العسكرية بقيادة العقيد العلوي يحيى زيدان؛ إضافة إلى كتائب حزبية مسلحة تابعة لحزب البعث. وكان عدد القوات التي اشتركت في العملية أكثر من اثني عشر ألفاً.