سرقت لقطة لامرأة سافرة تفاصيل المشهد العام في الملتقى الثقافي السعودي، أو بعبارة أخرى إختزل ذلك الظهور فشل الملتقى، وذلك عندما استغلها البعض في الهجوم على تاريخ الثقافة في الوطن، والذي يحاول أن يربطه البعض بالمنكرات، وقد أتفق على أن المشهد الثقافي المحلي لا يزال يعاني من آفة التراجعات، في ظل غياب مثقفين قادرين على إخراج الوطن من ضيق الأحكام إلى رحابة الحرية والتسامح والحقوق، وإن كانت هناك محاولات نقدية جادة، لكنها ما تلبث إلا أن تسقط في أول فصول الصراع مع التيار الديني المتزمت، أو أن تتراجع في مشهد كوميدي ساخر.
ولايزال التيار الديني المتزمت يمارس أدواراً مؤثرة في المجتمع، لكنه وعلى نفس الوتيرة أيضاً فشل، وعلى وجه التحديد في مسألة الخروج من نهج الآحادية والتقوقع داخل المجتمع، ولم يستطع مواكبة التقدم العصري، وقد أثبتت الأيام أن التيار الديني المتزمت لا يؤمن بالحلول العملية بينما لا زالت الحداثة الغربية تقدم البديل أمام فشل هؤلاء أمام تحديات العصر، ومع ذلك لا تتوقف بعض المراجع عن مطاردة المنتجات الحداثية في العصر الحديث.
كما أثبتت الأحداث أن المجتمع مهيأ للنهوض، والذي تقبل تعليم النساء قبل نصف قرن برغم من تحريمه، كما تقبل مؤخراً أن تبيع النساء في المحلات المخصصة باللوازم الأنثوية، ولم تمانع كثير من فئات المجتمع أن تعمل نساؤهم طبيبات وممرضات وأخصائيات في المستشفيات، وأيضا وقف إلى جانب حرية الاختيار عندما سمح بدخول جهاز الاستقبال الفضائي برغم من تحريمه ومحاولة إسقاطه من أعلى المنازل، وأيضاً لم تتوقف الجماهير عن حضور المباريات في زمن كانت الفتوى تحرم لعبة كرة القدم في صورتها الحالية، وشارك في أول انتخابات بلدية بعد أن كان اختيار الناس للممثلين لهم تدخلاً في الحكم بغير ما أنزل الله.
ما حدث بعد الملتقى من تغريدات كيدية يختصر مكانة المرأة في المجتمع السعودي، وقد أستطيع القول الآن إن جزءاً من أزمتنا الحالية تنحصر في بعض أوجهها في الموقف من المرأة، والتي ليست نابعة من الدين الإسلامي، ولكنها ضاربة في جذور الجاهلية القبلية التي لا ترى في المرأة أكثر من متاع دنيوي، ويظهر ذلك في ثقافة الشك التي تدور حول النساء فقط، فهن متهمات مهما أثبتن العكس، ولا يتسحقن الثقة التي يحظى بها الرجل، والدليل أن الرجل قد يُسأل عن شرعية العلاقة مع المرأة التي بجانبه في الصورة أو في السيارة، ولكن لا يُسأل عن غير ذلك، ويبدو أننا غير مدركين في كيفية التعامل معهن في زمن قادت بعض النساء أوطانهن في أصعب الظروف إلى المستقبل.
حالة الفشل الثقافي الحالية وعجز التيار الديني المتزمت عن تقديم الحلول العملية بدلاً من فتاوى التحريم ستكون لها أثارها، والتي قد تكون قد بدأت بالفعل، فعلى سبيل المثال سيجد تيار الإخوان المسلمين المجال مفتوحاً نظراً لما يقدمه للأجيال الشابة من حلول براجماتية لمشكلاتهم العصرية، في ظل فشل التيار المتزمت في تجاوز ثقافة الوعظ، كما أن الثقافة قد تختفي عن الأنظار في حال الاستمرار في تقديمها في تلك الصورة الهزيلة كما ظهرت في الملتقى الأخير، والتي كشفت عن سطحية الجدل الثقافي الديني في الوطن.
باختصار تحكم الحالة الثقافية في الوطن ثقافة المزايدة ومحاولات إرضاء التيار الديني المتزمت، والذي يشعر بنشوة بعد أن أظهرت الإنتخابات العربية تقدم التيارات الإسلامية على التيارات الليبرالية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن يفقد الإنسان مصداقيته، كما أن الحالة العربية لا زالت مرشحة لمزيد من التطورات، وأخيراً يحتاج الوطن إلى علمائه مثلما يحتاج إلى مثقفيه الواعين، ولا يمكن أن نتجاوز الأزمات القادمة إلا بتجاوز قضية المرأة «القاصرة عقلاً»، أو اختزال المشهد الثقافي في المرأة وشعرها وعباءتها وعيونها.